تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بدأت الشمس بالغروب وأتى الأهل ليطمئنوا على جميلة وطفلتها الأولى، وتسامر الأهل حتى وقت متأخر من الليل، وهم على هذه الحال سمعوا أصوات انفجارات كبيرة تهز المنطقة، وعرف الأهل بأن العدو يستهدف أطراف الضيعة، فلديهم تاريخ بهذا العدو، ولكن الحمد لله لم تصل هذه الانفجارات إلى بيوتهم، واضطر الجميع للمغادرة إلى بيوتهم، وفي الطريق اتفق علي وحسن وشادي على اللقاء في الصباح الباكر لإحضار الطعام للخروف قبل أن يتم ذبحه.

أشرقت الشمس وكانت الطيور كعادتها تغرّد تنادي على الأطفال، استيقظوا ولنبدأ اللعب والفرح والمرح.

استيقظت جميلة وقد شعرت طوال الليل بأن محمود لم ينم، وسألته عن ذلك فقال إن أصوات القنابل لم تمكن عيوني من النوم وبدأ شيء من الدموع يترقرق على خديه- وبدأ يذكر أمه وأخاه الصغير وخالته وأخته وعمته وأقاربه عندما قتلتهم آلة الموت الإسرائيلية في المجزرة التي لا يمكن أن تمسح من الذاكرة بالرغم من مسح مقر الأمم المتحدة في البلدة من الوجود عندما لجأ إليه سكان هذه الضيعة الصغيرة الآمنة طلبا للأمن.

فردعته جميلة قائلة: دعك من هذه الذكريات الموحشة، وكانت الكلمات تتلعثم، منها عندما لاحت في وجدانها صور أختها وصديقة الطفولة والعمر وجدَّتها التي كانت قبل أن تنام تقص عليها كل ليلة قصة مختلفة عن سابقتها، فقد كانت بالنسبة إليها كنزاً تاريخياً من المعلومات.

وبعد هذه الذكرى الأليمة التي تنقلت صورتها من عقل محمود إلى عيون جميلة، كان شيء غير معروف يراود محمود هل هو الخوف على زهرة؟! أم هو خيال لا ضرورة له في ظل الفرحة التي عمت الضيعة بكاملها فرحا بقدوم زهرة.

تجمع علي وحسن وشادي وزينب وفاطمة في بيت محمود حتى يلقوا النظرة الأخيرة على الخروف فقد استمتعوا به لمدة تزيد عن أربعة أشهر عندما كان صغيرا وأصبح الآن كبشا كبيرا، تسارع الأطفال لتبادل المعلومات البريئة عن الطريقة التي سيتم بها ذبح الخروف، فقالت فاطمة -والتي تخاف الاقتراب منه-: هل ستعلم أمه بأنه سيذبح غدا وماذا ستفعل؟! فقال لها علي لن تراه أمه عندما يذبح فهو بعيدا عنها. فقال حسن: هل سيرى الخروف الجزار وهو يجهز السكين؟ فأجابه علي: كلا لن يراها؛لأن الجزار يعمل على إغماض عينيه عند الذبح.

فقالت زينب هل سيشعر بألم السكين؟ أجابها شادي: إن الجزار لديه سكين قوي ولن يشعر الخروف بألم كبير؛ لان الجزار سيكون سريعا في عمله.

ربما كان هذا الجدل الذي أتى من نفوس لا تعرف إلا الحب والبراءة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالأطفال لا يريدون أن يتأذى أحد حتى وإن كان حيوانا.

وبينما هم كذلك سمعوا مجددا أصواتا كالتي سمعوها الليلية وازداد الصوت شدة فهرب الأطفال إلى بيوتهم مسرعين.

اضطر محمود إلى الذهاب إلى أخيه حسين ودعا ابن عمه خالد وابن خاله محمد واجتمعوا في بيت حسين وجلسوا على الشرفة التي تطل على الطرق المؤدية خارج الضيعة، وكانوا يشاهدون بأعينهم تلك الغارات التي تستهدف الشوارع والطرق الخارجية، فقال محمود: يبدو أن عام 96 سيعود مرة أخرى يا جماعة، إياك والحديث عن ذلك العام المشؤوم، إنها الحقيقة يا حسين، لا تكن متشائما يا محمود، انظر يا خالد ماذا يوجد في الضيعة حتى يقطعوا كل الطرق الخارجية.

ما رأيك يا محمد؟ أنا مع محمود يجب أن نتصرف بسرعة قبل حدوث كارثة، فقاطعه حسين ماذا يمكن أن نفعل يا محمد، فقال محمود نبدأ بجمع العائلات ونوزعها على البيوت التي بها ملاجئ لان الأمر خطير.

حسنا يا جماعة لنتوزع للبدء بذلك قبل حلول الظلام، سأذهب إلى بيت أبي العبد حتى أخبره بذلك ونحضر عدداً من العائلات إلى الملجأ الموجود في بيته، واذهب يا خالد لحصر الأسماء ووزعها بالتساوي على الملاجئ، وأنت يا حسين اذهب إلى بيت أبي جهاد وجهز ملجأه فالمكان قيد الإنشاء وربما بحاجة إلى بعض اللوازم، ويا محمد عليك بإحضار الطعام والشراب.

وانطلق الأربعة وكأنهم خلية نحل تسابق الزمان والقنابل.

أرخى المساء أستاره الموحشة واجتمع كل فرد في المكان الذي خصص له والبيت الذي أرسل إليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير