ونحن نقول في جواب هذا الاستهزاء: إن حديث القرود ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإنما هو شيء ذكر عن عمرو بن ميمون (أي ليس على شرط البخاري) ... وقد يمكن أن يكون رأى القرود ترجم قردة فظن أنها ترجمها لأنها زنت، وهذا لا يعلمه أحد إلا ظنا؛ لأن القرود لا تنبئ عن أنفسها، والذي يراها تتسافد لا يعلم أزنت أم لم تزن، هذا ظن، ولعل الشيخ عرف أنها زنت بوجه من الدلائل لا نعلمه، فإن القرود أزنى البهائم، والعرب تضرب بها المثل فتقول: أزنى من قرد، ولولا أن الزنا منه معروف ما ضربت به المثل، وليس شيء أشبه بالإنسان في الزواج والغيرة منه، والبهائم قد تتعادى ويثب بعضها على بعض، ويعاقب بعضها بعضا، فمنها ما يعض، ومنها ما يخدش، ومنها ما يكسر ويحطم، والقرود ترجم بالأكف التي جعلها الله لها كما يرجم الإنسان، فإن كان إنما رجم بعضها بعضا لغير زنا فتوهمه الشيخ لزنا فليس هذا ببعيد، وإن كان الشيخ استدل على الزنا منها بدليل وعلى أن الرجم كان من أجله فليس ذلك أيضا ببعيد، لأنها على ما أعلمتك أشد البهائم غيرة، وأقربها من بني آدم أفهاما" انتهى
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في " كتاب الخيل " له من طريق الأوزاعي: أن مهرا أُنزي على أمه فامتنع، فأدخلت في بيت وجللت بكساء وأُنزي عليها فنزى، فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله، فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى" انتهى.
"ولا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان" انتهى
هذا مثال للدعوة إلى تحكيم العقل الصريح في المتن وإن كان واردا في الصحيح.
العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح هذه قاعدة فإذا صح النقل بإقرار الحفاظ الأثبات وعلى رأسهم البخاري ولم يتضح لك معنى النقل فاتهم عقلك قبل أن تتهم البخاري
صحيح البخاري مر عليه آلاف العلماء قديما وحديثا ولن تجد كتابا بعد القرآن اعتنى به العلماء مثل اعتنائهم بصحيح البخاري وكلهم أصحاب عقول راجحة وأفهام ثاقبة
ودعوى تقديم العقل على النقل هو مذهب المعتزلة فأتمنى أن تراجع ردود أهل السنة عليهم في هذه القضية الخطيرة
وإني لأتساءل من باب التفكير العقلي: كيف كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون في أعيادهم وأفراحهم قبل أن يثبت هذا الحديث ويحكم بصحته في صحيح البخاري المتوفى سنة 256 هـ رحمه الله رحمة واسعة؟
هل معنى ثبوته في البخاري أنه لم يكن موجودا أو صحيحا أو مأخوذا به قبل البخاري ليعلمه الناس ويعملوا به فهل اخترعه البخاري من عنده؟
والأمر ليس موقوفا على حديث البخاري فقط كما قدمنا فهناك أحاديث أخرى ولا تنسى قول الصحابي ابن مسعود عن لهو الحديث وغيره من الصحابة وهناك أقول لعدد كبير من التابعين فهل كان رواة الحديث من الصحابة والتابعين يحتفلون بأفراحهم بالمعازف وهم يرونها محرمة
ومع ذلك يمكنك أن تذهب إلى فرح لمن لا يرى جواز الغناء والموسيقى وهم كثر جدا وستعرف كيف كانت الأفراح أم أننا لا نتخيل فرحا بغير محرم؟
المشاركة الأصلية كتبها أبو سهيل
* هل كل خلاف معتبر؟ وهل الخلاف في الغناء يعد من هذا النوع المعتبر؟
.................
فكيف يمكننا إسقاط الخلاف ـ لو فترضنا جدلا اعتباره ونحن لا نقره أصلا ـ على مثل هذه الأغنية الواردة في الموضوع
فالشادي هنا شادية: ميادة الحناوي، المغنية السورية المتبرجة، والشدو أغنية عنوانها: أنا أعشقك.
لو لم يكن الخلاف معتبرا لما رأيت هذه الفتاوى من كبار العلماء، بل هو معتبر حتى عند هيئة كبار العلماء وإلا لما وجدت بث الأغاني في الإذاعة الرسمية والتلفزيون الرسمي للمملكة العربية السعودية التي أنشأت هيئة كبار العلماء.
وهل عندما ترى اللجنة حرمة الغناء ويذاع في التلفاز معناه أن اللجنة ترى الخلاف معتبرا؟
وعندما تفتى اللجنة بحرمة مسابقة ملكة الجمال مثلا وتقوم الحكومة بالموافقة عليها وصنعها فهل معنى هذا أن اللجنة ترى أن هناك خلافا معتبرا؟
وعندما تفتي اللجنة بحرمة التماثيل وتضعها الحكومة فهل معنى هذا أن اللجنة تعتبر الخلاف؟
دمتم موفقين.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[14 - 07 - 2010, 08:59 م]ـ
بعد إذن أبي وسن
أخي عماد
قد قال بذلك ابن قتيبة في مقدمة كتابه عيون الأخبار، وقال بذلك الجاحظ أيضا.
ماذا قالا؟
قال ابن قتيبة في مقدمة كتابه عيون الأخبار:
"وكذلك اللحن إن مرّ بك في حديث من النوادر فلا يذهبن عليك أنا تعمدناه وأردنا منك أن تتعمده لأن الإعراب ربما سلب بعض الحديث حسنه وشاطر النادرة حلاوتها وسأمثل لك مثالا قيل لمزيد المديني: ـ وقد أكل طعاما كظّه ـ قي
قال: ما أقي؟ أقي نقًا ولحم جدي! مرتي طالق لو وجدت هذا قيا لأكلته!
ألا ترى أن هذه الألفاظ لو وفيت بالإعراب والهمز حقوقها لذهبت طلاوتها ولاستبشعها سامعها وكان أحسن أحوالها أن يكافئ لطف معناها ثقل ألفاظها ... "
وقال الجاحظ في البيان والتبيين:
"وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، وملحة من ملح الحشوة والطغام، فإياك وأن تستعمل فيها الإعراب، أو تتخير لها لفظا حسنا، أو تجعل لها من فيك مخرجا سريا، فإن ذلك يفسد الإمتاع بها، ويخرجها من صورتها، ومن الذي أريدت له، ويُذهب استطابتهم إياها واستملاحهم لها"
¥