{عم يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}.
ابتدأت السورة الكريمة بسؤال ((عم)) أصله عما، فحذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها، وقد قرئ على الأصل وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله، وخروجه عن حدود الأجناس المعهود أي شيء عظيم الشأن (يتساءلون) وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على إثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه (1).
وهذا الموضوع الذي شغل أذهان الكثيرين من كفار مكة حيث أصبحوا ما بين مصدق ومكذب، وقال مجاهد وغيره أنه البعث، وما يدل على أنه البعث أن كفار العرب ينكرون الميعاد فقال عنهم الله تعالى: {وما نحن بمبعوثين} (المؤمنون:37).
وطائفة منهم غير جازمة بل شاكة فيه كما قال تعالى: {إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين} (الجاثية:33)، ثم قال متوعدا لمنكري البعث {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}. وهنا تهديد شديد ووعيد أكيد (2) ..
2 - دلائل قدرة الله:
{ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا}.
ثم شرع الله تعالى يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، أي كيف تنكرون أو تشكون أيها الجاحدون في البعث والنشور، وقد رأيتم ما يدل على قدرة الله التامة وعلمه المحيط بكل السماء، انظروا إلى الأرض جعلناها ممهدة وموطئاً للناس والدواب، يقيمون عليها وينتفعون بها وبخيراتها، ألا ينظرون إلى هذه الأرض التي منها خلقوا وفيها سيعودون ومنها سيخرجون منها تارة أخرى شاءوا أم أبوا.
قال تعالى: {والجبال أوتادا}، أي جعلنا الجبال للأرض كالأوتاد كي لا تميد أو تضطرب بأهلها.
ثم قال: {وخلقناكم أزواجا}، أي وجعلناكم أصنافاً ذكوراً وإناثاً، ليتمتع كل منكم بالآخر، وليتم حفظ الحياة بالإنسان والتوليد وتكملتها بالتربية والتعليم، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
ثم قال تعالى: {و جعلنا نومكم سباتا}، السبات الموت، والنوم نعمة كبرى على الناس، ولقد شبه الله الموت بالنوم واليقظة بالبعث والنشور (1)، فالنوم يريح القوى من تعبها وينشطها من كسلها.
ثم قال تعالى: {وجعلنا الليل لباساً}، أي جعل الليل يستركم بظلامه كما قال تعالى: {والليل إذا يغشاها}.
ثم قال تعالى: {وجعلنا النهار معاشاً}، أي جعل النهار مشرقا ليتمكن الناس من تحصيل المعاش والتكسّب وغير ذلك.
قال تعالى: {وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}، يعني السماوات في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات.
{وجعلنا سراجاً وهاجاً}، وهو يعني الشمس التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم (2).
ثم قال تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا، لنخرج به حباً ونباتا، وجنات ألفافا}، المعصرات يعني الغيوم المتكاثفة التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد، والثجاج السريع الاندفاع، لتخرج بذلك الماء الكثير النافع الطيب، حبا يقتات به الناس ونباتات وبساتين وحدائق ذات بهجة وأغصان ملتفة على بعضها، وثمرات متنوعة ذات طعوم وروائح متفاوتة (1).
ويتضح في الآيات التقاء العلم مع الإيمان الصادق بقدرة الله وعظمته، فكلما ارتقت معارف الإنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون، أدرك من وراءها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق المحكم والتنسيق بين أفراد الوجود وحاجاتهم، فكل الدلائل السابقة أثبت العلم صحتها من القرآن، اذكر مع سبيل المثال: حقيقة الجبال فهي تحفظ توازن الأرض لعدة أسباب منها:
تعادل نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ومنها قد يكون تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقطة معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون السبب آخر لم يكشف عنه بعد (2).
علاقة الآيات بما قبلها:
إن الله عز وجل ذكر دلائل قدرته إلزاما للكافرين بالحجج الدافعة على قدرته على البعث والنشور، كما أنه اقتدر أن يخلق هذه الكائنات، وأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
ثالثا: (مشاهد يوم القيامة)
ويشتمل على
1 - علامات يوم البعث.
¥