وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخ الأكبر لهذه الجماعة المؤمنة: لم يتميز عنهم بلقب إعظام خاص وفي الحديث " لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لا تخذته – يعني أبا بكر – خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل " رواه البخاري والإخاء الحق لا ينبت في البئات الخسيسة، فحيث يشيع الجهل والنقص والجبن والبخل والجشع لا يمكن أن يصح إخاء أو تترعرع محبة، ولولا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جبلوا على شمائل نقية واجتمعوا على مبادئ رضية ما سجلت لهم الدنيا هذا التآخي الوثيق في ذات الله.
فسُموْا الغايةِ التي التقوا عليها وجلال الأسوة التي قادتهم إليها نَمَّيا فيهم خلال الفضل والشرف ولم يدعا مكاناً لنجوم خلَّةٍ رديئة ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان إنساناً تجمَّع فيه ما تفرق في عالم الإنسان كله من أمجاد ومواهب وخيرات فكان صورة لأعلى قمة من الكمال يمكن أن يبلغها بشر، فلا غَرْوا إذا كان الذين قبسوا منه وداروا في فلكه رجالاً يحيون بالنجدة والوفاء والسخاء، إن الحب كالنبع الدافق يسيل وحده ولا يتكلف استخراجه بالآلات والأثقال، والأخوة لا تفرض بقوانين ومراسيم وإنما هي أثر تخلِّص الناس من نوازع الأثرة والشح والضعة.
وقد تبُودلت الأخوة بين المسلمين الأولين لأنهم ارتقوا بالإسلام في نواحي حياتهم كلها، فكانوا عباد الله إخواناً ولو كانوا عبيد أنفسهم ما أبقى بعضهم على بعض، على أن تنويهنا بقيمة التسامي النفساني في تأسيس الإخاء لا يمنع الحاكم من فرضه على الناس نظاماً يؤخذون بحقوقه أخذاً فإذا لم يؤدوها طوعاً أدوها كرهاً وذلك كما يجبرون على العلم والجندية ()، وقد ظلت عقود الإخاء مقدمة على حقوق القرابة في توارث التركات إلى موقعة بدر حتى نزل قوله تعالى {وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم} فألغى التوارث بعقد الأخوة ورجع إلى ذوي الرحم.
روى البخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ... الآية} قال كان المهاجرون – لما قدموا المدينة – يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي عليه الصلاة والسلام بينهم فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي .. الآية} نسخت ثم قال {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم .. الآية} من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له.
فعليك أخي المسلم أن تقتبس من هذه الأخوة المدنية الصادقة المضيئة وترتشف من رحيقها وتجددها في نفسك وخلقك وواقعك ومدينتك وتقتدي في ذلك بالصحابة الكرام الذين وصفهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بهذا الوصف الرائع: من كان مستناً فليستن بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
سابعاً:- خاتمة نسأل الله حسنها في بعض آداب ساكني المدينة المنورة
وأخيراً بعد أن يسر الله بجوده وكرمه جمع ما تقدم عن المدينة وشأنها أختم بهذه الهمسة الحانية في أذنك أخي الحبيب كما عبر عنها الشيخ كبريت حيث قال: قال بعضهم ينبغي لمن أراد المجاورة بالمدينة المنورة أن يكون لين الأعطاف هين الانعطاف حافظاً لحرمة مكانها محافظاً على مراعاة سكانها يشاركهم في أنديتهم لا في أغذيتهم ويزاحمهم في أوقاتهم لا في أقواتهم ويكتسب من أخلاقهم لا من أرزاقهم ويقتبس من بِرِّهم لا من بُرِّهم ويرغب في حُبِّهم لا في حَبِّهم مقتديا في هذا القياس بإشارة " وازهد فيما عند الناس " وقال بعض العلماء: ينبغي لطالب سكنى المدينة أن لا يضيق على المحتاجين بسكنى الأربطة والمزاحمة على الصدقات ولا يسعى في منع معروف.
لا تقطعنَّ يد المعروف عن أحد .... مادام يمكن فالإمكان تارات
واشكر فضيلة لطف الله إذ جُعلت ... إليك لا لك عند الناس حاجات.
والله أسأل أن يرزقنا وإخواننا المسلمين أدب الجوار وحسنى القرار بجوار سيد الأبرار، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وآله الأطهار وصحبه الكرام. والتابعين لهم بإحسان مدى الأيام و الدهور.
كتبه / محمد فاضل ابن الطاهر وصلى الله على نبيه الكريم وآله وصبحه أجمعين