تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال الضحاك وابن عباس: إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا والله لا نصل من تكلم في شأن عائشة فنزلت الآية في جميعهم.

والأول أصح غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع من هذه صفته غابر الدهر.

قال عبد الله بن المبارك: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى فقال أبو بكر – رضي الله عنه – والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها منه أبداً، وقوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم، وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام {من لا يَرحم لا يُرحم، وقال السهيلي: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حين نزلوا المدينة ليُذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه {وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} أعني في الميراث، ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة فقال: {إنما المؤمنون إخوة} يعني في التواد وشمول الدعوة ()، وفي مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار أقوى مظهر من مظاهر عدالة الإسلام الإنسانية الأخلاقية البناءة فالمهاجرون قوم تركوا في سبيل الله أموالهم وأراضيهم فجاءوا المدينة لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، والأنصار قوم أغنياء بزروعهم وأموالهم وصناعتهم فليحمل الأخ أخاه وليقتسم معه سرَّاء الحياة وضراءها ولينزله في بيته ما دام فيه متسع لهما وليعطيه نصف ماله وما دام غنيا عنه.

وقال البخاري: (حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: (لما قدموا المدينة آخى رسول صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد ابن الربيع قال لعبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالاً فأقسمُ مالي نصفين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها قال بارك الله لك في أهلك ومالك أين سُوقك فدله على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ثم تابع الغدو ثم جاء يوماً و به أثر صُُفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مهْيم قال تزوجت قال كم سُقت إليها قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب شك إبراهيم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت: الأنصار أقسم بيننا وبينهم النخل قال لا قال: يكفونا المؤنة ويشركوننا في الثمر قالوا سمعنا وأطعنا

وإعجاب المرء بسماحة سعد لا يعدله إلا إعجابه بنُبل عبد الرحمن هذا الذي زاحم اليهود في سوقهم وبزَّهم في ميدانهم واستطاع بعد أيام أن يكسب ما يعفُّ به نفسه ويحصن به فرجه، إن علوا الهمة من خلائق الإيمان

وقد صور الغزالي رحمه الله الإخاء بين المهاجرين والأنصار بقوله: (وقد أقام صلى الله عليه وسلم صلة الأمة بعضها ببعض على الإخاء الكامل، الإخاء الذي تمحى فيه كلمة " أنا " ويتحرك الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها فلا يرى لنفسه كياناً دونها والامتداد إلا فيها، ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية فلا حمية إلا للإسلام وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن فلا يتأخر أحد أو يتقدم إلا بمروءته وتقواه، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً لا لفظاً فارغاً وعملاً يرتبط بالدماء والأموال لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.

حرص الأنصار على الحفاوة بإخوانهم المهاجرين فما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة!! وقدر المهاجرون هذا البذل الخالص فما استغلوه ولا نالوا منه إلا بقدر ما يتوجهون إلى العمل الحر الشريف .....

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير