و (شيئاً) نكرة في سياق النفي تعم كل شيء، هذه هي القاعدة الأصولية، حتى كان عصا أحدهم يسقط منه وهو على راحلته فينزل ويأخذه لا يقول لأحد: ناولني العصا؛ لأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا الناس شيئاً، لو لم يكن فيه إلا هذا لكفى، لكن ربما يكون في قلب الإنسان احتقارٌ لنفسه وسوء ظنٍ فيسأل غيره، فيقال: يا أخي! أحسن الظن بالله عز وجل.
وأنت إذا كنت لست أهلاً لقبول الدعاء، فإن دعاء غيرك لا ينفعك، فعليك أن تحسن الظن بالله، ولا تجعل واسطة بينك وبين الله يدعو لك؛ ادع ربك أنت، فالله عز وجل يقول:} ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً {فنفس دعائك لله عبادة، فكيف تفوت على نفسك هذه العبادة العظيمة؟ وكذلك فإن بعض الناس إذا طلب من شخص يظهر فيه الصلاح أن يدعو له فإنه ربما يعتمد على دعائه هذا ولا يدعو لنفسه أبداً، ثم إن فيه -أيضاً- مسألة ثالثة: وهي أنه ربما يحصل للذي طلب منه الدعاء غرور بنفسه، وأنه أهل لأن يطلب منه الدعاء.
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا طلبت من أخيك الدعاء -تريد بذلك نفعه بإحسانه إليك، أو نفعه إذا دعا لك بظهر الغيب- إن الملك يقول: آمين، ولك بمثله.
فهذا لا بأس به، أما إذا أردت مجرد انتفاعك أنت فقط؛ فهذا من المسألة المذمومة.
أما ما ذكرت من طلب عمر رضي الله عنه من أويس أن يدعو له رضي الله عنه فهذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو خاص بالرجل، ولهذا لم يطلب من عمر أو غيره أن يقول لأبي بكر رضي الله عنه: ادع الله لنا، و أبو بكر أفضل من عمر، وأفضل من أويس، وأفضل من بقية الصحابة، لكن هذا خاص بهذا الرجل الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم ممن أدركه أن يقول له: ادع الله لي، والمسائل الخاصة لا تتعدى محلها. (انتهى من الباب المفتوح 212)
وسئل الشيخ/ عبد الرحمن السحيم عضو مركز الدعوة والإرشاد: هل يجوز لي أن اطلب من شخص ثاني أن يدعو لي؟ مثلا خلال فترة الامتحانات تطلب الفتاة من زميلتها أن تدعو لها و شكرا؟
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , الأفضل أن يدعو الإنسان لنفسه، لما في ذلك من المنافع، فإنه في عبادة إذا دعا لنفسه، وما يحصل له من تعلّق قلبه بالله إذا كان هو الداعي، إلى غير ذلك من منافع الدعاء.
ويجوز للمسلم أن يُوصِي غيره بأن يدعو له، وقد دلّت على ذلك السنة الصحيحة، فمن ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام لِعُمر رضي الله عنه في شأن أويس القرني: فإن استطعت أن يَستغفر لك فافعل. وقال عُمر لأويس: استغفر لي. فاسْتَغْفَرَ له. رواه مسلم.
وما رواه مسلم من طريق عن صفوان بن عبد الله بن صفوان - وكانت تحته الدرداء - قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم. قالت: فادعُ الله لنا بخير،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك مُوكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثله ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فَيُسْقَون. رواه البخاري
وتوسلّهم هنا بدعاء العباس لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء في بعض الروايات أن العباس دعاء في ذلك اليوم بدعاء طويل. فطلب الدعاء ممن يُرجى صلاحه ويُظنّ به الخير جادة معروفة عند سلف هذه الأمة.
وأما حديث: لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك. فهو ضعيف. انظر ضعيف الجامع الصغير (برقم 6278) هذه جادة مطروقة، وعادة عند سلف هذه الأمة معروفة، أي أن يطلب المسلم من أخيه أن يدعو له، إلا أنه ينبغي أن لا يكون هو الغالب، وأن لا تتعلّق به القلوب.والله تعالى أعلم.
وسئل الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ: رجل عنده ولد مريض مرضا لم يجد له علاجا، فقال: أذهب إلى مكة، وأضع ولدي عند البيت، وأدعو له بالشفاء، فإذا حان الظهر دعوت مائة شخص من فقراء الحرم على الغداء ثم أقول لهم: ادعوا الله أن يشفي ولدي، فما حكم هذا العمل؟
لجواب: هذا العمل فيه تصدق ودعوة الفقراء إلى الطعام، وفيه طلب الدعاء منهم لولده، والتصدق بالطعام هو من جنس الأعمال المشروعة - كما تقدم - وتقدم أيضا حكم الذبائح وإراقة الدماء، فإذا كان في هذا الإطعام ذبائح: فتفصيل الجواب كما سبق.
وإن كان قصده مجرد إطعامهم ولإشباعهم والتصدق عليهم، ثم طلب منهم الدعاء - وهي المسألة الثانية - فهذا راجع إلى هل يشرع طلب الدعاء من الغير بهذه الصفة، أو لا يشرع؟ الظاهر أن هذا من جنس ما هو غير مشروع، ومعنى أنه ليس بمشروع: أنه ليس بمستحب ولا واجب، ولكن هل يجوز طلب الدعاء من الآخرين؟ قال العلماء: الأصل في ذلك الكراهة، والمتأمل فيما روي عن الصحابة وعن التابعين الذين طلب منهم الدعاء: أنهم كرهوا ذلك، ونهوا الطالب، وربما قالوا له: أنحن أنبياء؟!! كما قال ذلك حذيفة، ومعاذ، وغيرهما رضي الله عنهم، وكان إمام دار الهجرة: أنس بن مالك - رحمه الله - إذا طلب منه الدعاء نهى الطالب، خشية أن يلتفت الناس إليه، وتتعلق قلوبهم به، وإنما يتعلق في طلب الدعاء بالأنبياء، أما من دونهم فلا يتعلق بهم في هذا الأمر؛ لهذا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر لما أراد أن يعتمر: " لا تنسنا يا أخي من دعائك» وهذا الحديث إسناده ضعيف، وقد احتج به بعض أهل العلم ومعناه ظاهر في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينفع عمر بهذه الدعوة؛ فالطالب للدعاء محتاج إلى غيره.
والمقصود: أن ما فعله هذا السائل لأجل ولده الأولى له تركه؛ لأجل ألا يتعلق قلبه بأولئك في دعائهم. (التمهيد لشرح كتاب التوحيد).
¥