صلى الله عليه وسلم مع المشركين كانت كذلك مطلقة غير مؤقتة، جائزة غير لازمة منها عهده مع أهل خيبر) اه, صحيح أن الفقهاء قد منعوا من التنصيص على تأبيد الهدنة, لأن في ذلك إلغاءا للجهاد, ولكن العرف الدولي الآن على أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلدين يعني إلغاء الهدنة بين البلدين, فلا تأبيد إذن, هذا كله بغض النظر عن أنظمة الأمم المتحدة المخالفة للشريعة الإسلامية, لأن الذي يعنينا هنا هو العهد والهدنة والصلح وليس فيه مخالفة للشريعة الإسلامية ما لم يكن في بنود الصلح ما يعارض الشريعة, على أن الضرورة لها أحكام والضرورات تبيح المحظورات كما هو مقرر في قواعد الفقه وفروعه
2 - ليس لآحاد الناس الحكم على ذمي أو مستأمن أو معاهد بنقض العهد بل ذلك لولي الأمر فقط, ومن باب أولى ليس لآحاد الناس أن يستبيحوا دم أحد ممن سبق لأجل ذلك الحكم, لأن ذلك كله يحتاج إلى البينات والشهود ... إلخ ما يتعلق بالقضاء
3 - من دخل من أهل دار العهد دار الإسلام بغير أمان جديد سوى العهد لم يتعرض له؛ لأنه آمن بالعهد، فكما أنه لا يحل للمسلمين أن يتعرضوا له في داره فكذلك إذا دخل دار الإسلام ... وكذلك لو دخل رجلٌ من أهل العهد دارَ الحرب فظهر المسلمون عليهم لم يتعرضوا له؛ لأنه في أمان المسلمين حيث كان بمنزلة ذمي يدخل دار الحرب. وانظر المبسوط للسرخسي (12/ 188)
4 - تقدم معنا أن المعاهد إذا تجسس في دار الإسلام لصالح دولته الكافرة فإن ذلك لا يبيح دمه في مذهب جماهير أهل العلم
المبحث الثالث:
حكم قتل المدنيين من أهل الحرب
تمهيد:
في مقصد الرسالة وهدف الدعوة
لم يكن هدف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين هو قتل الكفار وإهلاكهم وإبادتهم وتدميرهم, وإلا لما كان مع الأنبياء حواريون وأصحاب لأن الحواريين والأصحاب كانوا قبل الدعوة كفارا, بل كان هدفه صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين, بل وهدف كل داعية عرف حقيقة الدعوة هو إدخال الناس في دين الله .. إدخال الناس في الهداية .. إدخال الناس في الرحمة .. إدخال الناس في جنة الدنيا وجنة الآخرة, وهذا الأمر من الوضوح والجلاء بمكان, ولكن البعض قد يعمى عنه بسبب الفتن وردود الأفعال والغيرة والحماسة والاندفاع.
وهذه بعض الأدلة الشرعية والنماذج النبوية في مقصد الرسالة والدعوة:
- قال تعالى: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) أي: ستهلك نفسك يا محمد أسفا وحزنا عليهم لأنهم لم يؤمنوا بالقرآن ولم يدخلوا في الدين
- وقال تعالى: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) أي: ستهلك نفسك يا محمد من أجل أن الكفار لم يؤمنوا ويسلموا لله
- وفي قصة الطائف خير شاهد على ذلك فقد قال ملك الجبال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت, ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن هدفه هو تدمير الكفار بل هدفه هداية الكفار, ولذا كان جوابه: لا, إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا, فقد تفكر صلى الله عليه وآله وسلم لمن في أصلاب المشركين وكأنه يريد أن يقول: إذا كان هؤلاء لا أمل في إسلامهم فإن الأمل في أن يسلم من في أصلابهم!! والقصة بطولها في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
- وفي غزوة أحد بعد كل ما صنعوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) كما في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه
- وفي غزوة الفتح لما قال لهم صلى الله عليه وسلم: ما تظنون أني فاعل بكم, قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال صلى الله عليه وسلم: إذهبوا فأنتم الطلقاء, كما في سنن البيهقي, فعفى عنهم بعدما فعلوا به ما فعلوا منذ البعثة وحتى الفتح
- ولما قال بعض الأنصار يوم الفتح: اليوم يوم الملحمة؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (اليوم يوم المرحمة) كما في مغازي الأموي, حكاه عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري
- ولما قال الطفيل بن عمرو الدوسي: يا رسول الله ادع الله على دوس فقد عصت وأبيت؛ رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه وقال: (اللهم أهد دوسا وآت بهم) كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه
¥