من أقوال الحنابلة في ذلك
في المغني لابن قدامة 10/ 530: (الإمام إذا ظفر بالكفار لم يجز أن يقتل صبيا لم يبلغ بغير خلاف ... ولا تقتل امرأة ولا شيخ فانٍ, وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ومجاهد وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولا تعتدوا} يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ...
ولا يقتل زمن ولا أعمى ولا راهب والخلاف فيهم هو كالخلاف في الشيخ وحجتهم ههنا حجتهم فيه, ولنا في الزمن والأعمى أنهما ليسا من أهل القتال فأشبها المرأة وفي الراهب ما روي في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ... ولا يقتل العبيد وبه قال الشافعي) اه
وفي السياسة الشرعية لابن تيمية 159: (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين, وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله, وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالا للمسلمين, والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله ...
ولهذا أوجبت الشريعة قتل الكفار ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم بل إذا أسر الرجل منهم في القتال أو غير القتال مثل أن تلقيه السفينة إلينا أو يضل الطريق أو يؤخذ بحيلة فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح من قتله أو استعباده أو المن عليه أو مفاداته بمال أو نفس عند أكثر الفقهاء) اه
لفت نظر
لعلك لاحظت من خلال نصوص العلماء السابقة أن من عدا تلك الأصناف التي ذكرناها من أهل دار الحرب يجوز قتلهم, ولو لم يكونوا عسكريين, لكن هل يُلحق بهم في عدم القتل من لم يُذكر ممن ليسوا عسكريين؟
الذي نجده في كلام أكثر الفقهاء السابقين هو عدم الإلحاق, بل قد نصوا على جواز قتل من عدا تلك الأصناف, قال الكاساني في بدائع الصنائع 6/ 63: (والأصل فيه: أن كل من كان من أهل القتال يحل قتله سواء قاتل أو لم يقاتل, وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك على ما ذكرنا فيقتل القسيس والسَيَاح () الذي يخالط الناس والذي يجن ويفيق والأصم والأخرس وأقطع اليد اليسرى وأقطع إحدى الرجلين وإن لم يقاتلوا لأنهم من أهل القتال) اه وقد تقدمت نصوص أخرى في ذلك ضمن كلام العلماء فلتراجع
وهناك من أهل العلم من يرى إلحاق من لم يقاتل من أهل الحرب بتلك الأصناف وهو ما قد يفهم مما في شرح عليش على خليل 3/ 145 ونحوه في حاشية الدسوقي على الدردير 2/ 147: (والاقتصار على استثناء السبعة يفيد قتل أجرائهم وزراعهم وأهل صناعاتهم وهو كذلك, هذا قول سحنون وهو خلاف المشهور. وقال ابن القاسم وابن وهب وابن الماجشون وابن حبيب: يؤسرون ولا يقتلون, وحكاه اللخمي عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه, قال: وهو أحسن; لأن هؤلاء في دينهم كالمستضعفين. وصرح القلشاني بأن هذا هو المشهور قائلا خلافا لسحنون, ولذا أدخلهم في التوضيح في قول ابن الحاجب: ويلحق بهم الزمنى والشيخ الفاني ونحوهم, قال: مراده بنحوهم الفلاحون وأهل الصناعات) اه.
وقد يفهم هذا أيضا من كلام الشوكاني حيث قال في نيل الأوطار 8/ 56 في شرح حديث: "ولا أصحاب الصوامع": (فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعبادة من الكفار الرهبان لإعراضه عن ضر المسلمين ... ويقاس على المنصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو أعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضرره على الدوام) اه
وقد صرح بعض أهل العلم المتأخرين بالإلحاق, قال الشيخ أبو زهرة في كتابه (العلاقات الدولية في الإسلام) ص99: (تكرر نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل العسفاء وهم العمال الذين يستأجرون للعمل الذي لا يحاربون وليس لهم في الحرب عمل ... والعمال والزراعيون واليدويون الذين لا يقاتلون هم بناة العمران, والحرب الإسلامية ليست لإزالة العمران) اه
¥