ويشهد لجواز ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر عنوة ومع ذلك لم يسترق من فيها من اليهود, قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (وممن من عليه النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، وإنما افتتحت عنوة، وقد ذكرنا حديثها وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضها ومن على رجالها، وتركهم عمالا في الأرض، معاملة على الشطر .. ) اه الأموال للقاسم بن سلام - (1/ 290)
وكذلك فتح مكة عنوة ولم يسترق أهلها بل قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء, قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (فمن المنِ فعلُه بأهل مكة، وقد اقتصصنا حديثها، وكيف كان فتحه إياها، ثم لم يعرض لأحد من أهلها في نفس ولا في مال، ثم نادى مناديه: ألا لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن) اه الأموال للقاسم بن سلام ص (286)
وكذلك الخليفة عمر ابن الخطاب لما فتح سواد العراق وغيرها من البلدان لم يسترق أهلهما مع أنه فتحها عنوة وعقد لهم عقد الذّمة وهذا النوع من الذّمة يسمى بذّمة الغلبة أو الفتح ويكون عندما يفتح المسلمون بلاداً غير إسلاميّةٍ، ويرى الإمام ترك أهل هذه البلاد أحراراً بالذّمّة, راجع لهذا النوع من الذمة بدائع الصنائع للكاساني 7/ 111،119 - حاشية القليوبي على شرح المحلي 3/ 126 - أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/ 105
وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: (وكذلك كل بلاد أخذت عنوة، فرأى الإمام ردها إلى أهلها، وإقرارها في أيديهم على ذمتهم ودينهم، كفعل عمر بأهل السواد وإنما أخذ عنوة على يدي سعد وكذلك بلاد الشام كلها عنوة، ما خلا مدنها على يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وأبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، وكذلك الجبل أخذ عنوة في وقعة جلولاء ونهاوند على يدي سعد بن أبي وقاص والنعمان بن مقرن، وكذلك الأهواز، أو أكثرها، كذلك فارس على يدي أبي موسى الأشعري، وعثمان بن أبي العاص، وعتبة بن غزوان وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك المغرب على يدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ...
قال أبو عبيد: فهذه بلاد العنوة، وقد أقر أهلها على مللهم وشرائعهم، ولكل هذه قصص وأنباء، نأتي بما علمنا منها إن شاء الله) اه الأموال للقاسم بن سلام - (1/ 271)
حالات استثنائية يباح فيها قتل تلك الأصناف فمنها:
الحالة الأولى: التبييت والإغارة:
في صحيح البخاري 423/ 1، ومسلم 84/ 2: (عن الصعب بن جثامة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال عليه السلام: هم منهم وفي لفظ: هم من آبائهم) اه. زاد أبو داود: قال الزهري: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان) اه
قال ابن حجر في فتح الباري 6/ 147: (قوله: هم منهم) أي في الحكم تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم) اه
وفي شرح النووي12/ 49: (والمراد إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة, وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا, وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بيانهم وقتل النساء والصبيان في البيات هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور, ومعنى البيات ويبيتون أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي) اه
الحالة الثانية: إذا صدر منهم مشاركة في القتال بنفس أو رأي ونحو ذلك:
من أقوال الحنفية في ذلك
قال الكاساني في بدائع الصنائع 6/ 63 بعد ذكر من لا يجوز قتلهم: (ولو قاتل واحد منهم قتل وكذا لو حرض على القتال أو دل على عورات المسلمين أو كان الكفرة ينتفعون برأيه أو كان مطاعا وإن كان امرأة أو صغيرا, لوجود القتال من حيث المعنى وقد روي أن ربيعة بن رفيع السلمي رضي الله عنه أدرك دريد بن الصمة يوم حنين فقتله يوم حنين فقتله وهو شيخ كبير كالقفة لا ينتفع إلا برأيه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم ينكر عليه) اه وانظر نحوه في الجوهرة النيرة 2/ 259
من أقوال المالكية في ذلك
¥