وهل كان الذنب ذنب آدم عندما أمرالله إبليس بالسجود له فأبى وتكبروخاصم وفجر؟ وهل كان الذنب ذنب هابيل إذ لم يتقبل الله قربان أخيه فعاداه وقتله؟
إنه الهوى الفاسد المتبع ... إنها النفس الأمارة بالسوء (أَرأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان 43).
إن إخوة يوسف هم مثال آخرلنبتة السوء فى النفس الإنسانية ترويها العصبية الجاهلية ويمتطيها الشيطان ويقترن بها ... كحال ابن آدم الأول الذى قتل أخيه مع بعض الإختلافات فى التفاصيل والخاتمة.
إن النفس الإنسانية هى العمود الفقرى فى صلاح أوفساد الإنسان فرداً أوجماعة أوأمة فبصلاحها يفلحون فى الدنيا والآخرة وبفسادها يذلون ويخسرون فى الدنيا والآخرة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس7 - 10) لذا كان من دعاء النبى عليه الصلاة والسلام: (اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خيرمن زكاها أنت وليها ومولاها).
وهكذا قررالأخوة قتل يوسف دون مناقشة ولا محاكمة ... وهكذا تنبت نبتة السوء فى عجلة من أمرها ... ها هى ذى ثمارها قد أينعت وحنظلها بمذاقهم قد طاب
فما أعجب هذا الإنسان حين يغلب عليه هواه الفاسد فيطغى عليه ويستعبده الشيطان فيحتنكه فيعمى عن الحق والصواب والمنطق والعدل وصلات القرابة والرحم.
ماهي التهمة الفظيعة الموجبة لأقسي حكم وأشد عقاب؟
ماهي جريمة يوسف الصبي البريء؟ وماهي جريمة يعقوب الأب الرحيم؟
وهل صار الحب الفطري السليم جريمة توجب القتل؟
وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ:
اعتراف ضمني منهم بسوئهم وفسادهم ... وكأن الفساد والصلاح وجهان لعملة واحدة يقلبونها متي شاءوا أوثوب ذو وجهين يلبسونه حسب المناسبة.
إن التخلية قبل التحلية ... وإن التوبة الصادقة بالإمتناع والتوقف عن ارتكاب الذنب أولا هي أول الطريق وهي أول سلم الصلاح والخير (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً) (الفرقان 70).
إن الإعتراف بالذنب فضيلة ... وعدم استحسانه وعدم الإستمرار فيه وعدم الإصرارعليه أيضا حسن وفضيلة والتطلع إلي الإنقلاب إلي الصلاح لابأس به ومحمود إلا إذا كان من باب التسويف والتبرير.
(قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)
وهنا يأتي الإقتراح الثالث من أحد الأخوة وهوعدم قتل يوسف وإلقائه في غيابة الجب (البئريجتمع فيه الماء) لعل أحد المسافرين يلتقط يوسف فيأخذه معه بعيداً وهو مقصدهم .... ووافق الأخوة علي هذا الرأي وأجمعوا عليه.
هذا القائل أمره عجيب ... فالقتل عنده وإلحاق الأذي بيوسف أمرمرفوض والإبعاد احتمال غيرمرفوض ... وكأن لسان حاله يقول:إذا لم يكن من الشر بد فبعض الشر أهون من بعض.
وهكذا انتهت مرحلة التفكيروالمناقشة والتخطيط وبدأت مرحلة الإعداد والتحضير مقدمة بين يدي الفعل والتنفيذ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ*).
ومن الملاحظ أنهم لم يأتوا بذكرالله أبدا في جميع خطابهم علماً بأنهم مؤمنون ترعرعوا في بيئة إيمان ونبوة ... وكأن الشيطان أنساهم ذكرالله وكأن الإنسان المؤمن في غمرة المعصية والإثم لايذكرربه ولوتذكرلأقلع (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ* حَتَّى إِذَا جَاءَنا قَالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف 36 - 38).
وهكذا فإن المعصية والفاحشة ُتنسي ذكرالله وتخرج الإيمان من قلب المتلبس به
كما أن الغفلة عن ذكر الله توقع المرء في حبال الشيطان والآثام
فهي حلقة مفرغة يدورالعاصي في فلكها ولايخرج منها إلا بذكرالله والإقلاع عن الذنب (أي بالتوبة).
¥