تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اولاًـ ان (علّة) كل حكم تختلف عن (حكمته) فالحكمة والمصلحة سبب الترجيح وليست مناط الوجود ولامدار الايجاد، بينما (العلة) هي مدار وجود الحكم.

ولنوضح هذا بمثال: تُقصر الصلاة في السفر، فتصلّى ركعتان فعلّة هذه الرخصة الشرعية السفر. اما حكمتها فهي المشقة. فاذا وجُد السفرُ ولم تكن هناك مشقة فالصلاة تُقصر، لان العلة قائمة وهي السفر. في حين ان لم يكن هناك سفر وكانت هناك اضعاف اضعاف المشقة، فلن تكون تلك المشقات علة القصر.

وخلافاً لهذه الحقيقة يتوجه نظر الاجتهاد في هذا العصر، الى اقامة المصلحة والحكمة بدل العلة، وفي ضوئها يصدر حكمه، فلا شك ان اجتهاداً كهذا ارضي وليس بسماوي.

ثانياًـ ان نظر هذا العصر متوجه اولاً وبالذات الى تأمين سعادة الدنيا، وتوجّه الاحكام نحوها، والحال ان قصد الشريعة متوجه اولا وبالذات الى سعادة الآخرة، وينظر الى سعادة الدنيا بالدرجة الثانية، ويتخذها وسيلة للحياة الاخرى، اي ان وجهة هذا العصر غريبة عن روح الشريعة ومقاصدها، فلا تستطيع ان تجتهد باسم الشريعة.

ثالثاً ـ ان القاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات) ليست كلية،

لان الضرورة ان كانت ناشئة عن طريق الحرام لا تكون سبباً لإباحة الحرام. والاّ فالضرورة التي نشأت عن سوء اختيار الفرد، او عن وسائل غير مشروعة لن تكون حجة ولا سبباً لإباحة المحظورات ولا مداراً لأحكام الرُخص.

فمثلاً: لو اسكر احد نفسه - بسوء اختياره - فتصرفاته لدى علماء الشرع حجة عليه، اي لا يُعذَر، وان طلّق زوجته فطلاقُه واقع، وان ارتكب جريمة يعاقب عليها، ولكن ان كانت من دون اختيار منه، فلا يقع طلاقه، ولا يعاقب على ما جنى. فليس لمدمن خمر - مثلاً - ان يقول انها ضرورة لي، فهي اذن حلال لي، حتى لو كان مبتلىً بها الى حد الضرورة بالنسبة له.

فانطلاقاً من هذا المفهوم فان هناك كثير من الامور في الوقت الحاضر ابتلي بها الناس وباتت ضرورية بالنسبة لهم،

حتى اخذت شكل (البلوى العامة) فهذه التي تسمى ضرورة، لن تكون حجة لاحكام الرُخَص، ولا تباح لاجلها المحظورات، لانها نجمت من سوء اختيار الفرد ومن رغبات غير مشروعة ومن معاملات محرمة.

وحيث ان اهل اجتهاد هذا الزمان قد جعلوا تلك الضرورات مداراً للاحكام الشرعية،

لذا اصبحت اجتهاداتهم ارضية وتابعة للهوى ومشوبة بالفلسفة المادية، فهي اذن ليست سماوية، ولا تصح تسميتها اجتهادات شرعية قطعاً؛ ذلك لان اي تصرف في احكام خالق السموات والارض واي تدخل في عبادة عباده دونما رخصة او إذن معنوي فهو مردود.

ولنضرب لذلك مثالاً:

يستحسن بعض الغافلين القاء خطبة الجمعة وامثالها من الشعائر الاسلامية باللغة المحلية لكل قوم دون العربية ويبررون استحسانهم هذا بسببين:

الاول: (ليتمكن عوام المسلمين من فهم الاحداث السياسية)! مع انها قد دخلها من الاكاذيب والدسائس والخداع ما جعلها في حكم وسوسة الشياطين! بينما المنبر مقام تبليغ الوحي الإلهي، وهو ارفع واجل من ان ترتقى اليه الوسوسة الشيطانية.

الثاني: (الخطبة هي لفهم ما يرشد اليه بعض السور القرآنية من نصائح).

نعم؛ لو كان معظم المسلمين يفهمون المسلّمات الشرعية والاحكام المعلومة من الدين بالضرورة، ويمتثلون بها، فلربما كان يستحسن عند ذاك ايراد الخطبة باللغة المعروفة لديهم، ولكانت ترجمة سور من القرآن لها مبرر - ان كانت الترجمة ممكنة (1) - وذلك ليفهموا النظريات الشرعية والمسائل الدقيقة والنصائح الخفية.

اما وقد اهملت في زماننا هذا الاحكام الواضحة المعلومة؛ كوجوب الصلاة والزكاة والصيام وحرمة القتل والزنا والخمر، وان عوام المسلمين ليسوا بحاجة الى دروس في معرفة هذا الوجوب وتلك الحرمة بقدر ما

هم بحاجة الى الامتثال بتلك الاحكام واتباعها في حياتهم. ولا يتم ذلك الا بتذكيرهم وحثهم على العمل وشحذ الهمم واثارة غيرة الاسلام في عروقهم، وتحريك شعور الايمان لديهم كي ينهضوا بامتثال واتباع تلك الاحكام المطهرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير