فالمسلم العامي - مهما بلغ جهله - يدرك هذا المعنى الاجمالي من القرآن الكريم، ومن الخطبة العربية. ويعلم في قرارة نفسه بان الخطيب او المقرئ للقرآن الكريم يذكّره - ويذكّر الاخرين معه - باركان الايمان واسس الاسلام التي هي معلومة من الدين بالضرورة. وعندها يفعم قلبه بالاشواق الى تطبيق تلك الاحكام.
ليت شعري اي تعبير في الكون كله يمكنه ان يقف على قدميه حيال الاعجاز الرائع في القرآن الكريم الموصول بالعرش العظيم .. واي ترغيب وترهيب وبيان وتذكير يمكن ان يكون افضل منه؟!
سادسها:
ـ[خلوصي]ــــــــ[14 Jun 2010, 01:24 ص]ـ
ان قرب عهد المجتهدين العظام من السلف الصالحين لعصر الصحابة الكرام الذي هو عصر الحقيقة وعصر النور يسَّر لهم ان يأخذوا النور الصافي من اقرب مصادره، فتمكنوا من القيام باجتهاداتهم الخالصة، في حين ان مجتهدي العصر الحديث ينظرون الى كتاب الحقيقة من مسافة بعيدة جداً ومن وراء كثير جداً من الاستار والحجب حتى ليصعب عليهم رؤية اوضح حرف فيه.
فان قلت: ان مدار الاجتهادات ومصدر الاحكام الشرعية هو عدالة الصحابة وصدقهم، حتى اتفقت الامة على انهم عدول صادقون، علما انهم بشر مثلنا، لا يخلون من خطأ!
الجواب: ان الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين هم روّاد الحق وعشاقه، وهم التواقون الى الصدق والعدل. ولقد تبين في عصرهم قبح الكذب ومساوؤه، وجمال الصدق ومحاسنه بوضوح تام، بحيث اصبح البون شاسعاً بين الصدق والكذب كالبعد بين الثريا والثرى وبين العرش والفرش!! اذ يوضح ذلك الفارق الكبير بين الرسول الاعظم صلى الله عليه و سلم الواقف على قمة درجات الصدق وفي اعلى عليين وبين مسيلمة الكذاب الذي كان في اسفل سافلين وفي اوطأ دركات الكذب.
فالذي اهوى بمسيلمة الى تلك الدركات الهابطة الدنيئة هو الكذب والذي رفع محمداً الامين صلى الله عليه و سلم الى تلك الدرجات الرفيعة هو الصدق والاستقامة.
لذا فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين كانوا يملكون الهمم العالية والخلق الرفيع واستناروا بنور صحبة شمس النبوة، لا ريب انهم ترفعوا عن الكذب الممقوت القبيح الموجود في بضاعة مسيلمة الكذاب ونجاساتها الموجبة للذلة والهوان - كما هو ثابت - وتجنبوا الكذب كتجنبهم الكفر الذي هو صنوه، وسعوا سعياً حثيثاً في طلب الصدق والاستقامة والحق، وتحروه بكل ما اوتوا من قوة وعزم. فشغفوا به ولا سيما في رواية الاحكام الشرعية وتبليغها، تلك الاحكام المتسمة بالحسن وبالجمال القمينة بالمباهاة والفخر، والتي هي وسيلة للعروج صعداً الى الرقي والكمال، والموصولة السبب بعظمة الرسول صلى الله عليه و سلم الذي تنورت بنور شعاعه الحياة البشرية.
اما الآن، فقد ضاقت المسافة بين الكذب والصدق، وقصرت حتى صارا متقاربين بل متكاتفين، وبات الانتقال من الصدق الى الكذب سهلاً وهيناً جداً بل غدا الكذب يفضل على الصدق في الدعايات السياسية.
فان كان اجمل شئ يباع مع اقبحه في حانوت واحد جنباً الى جنب وبالثمن نفسه، ينبغي على مشتري لؤلؤة الصدق الغالي الاّ يعتمد على كلام صاحب الحانوت ومعرفته دون فحص وتمحيص.
الخاتمة
تتبدل الشرائع بتبدل العصور، وقد تأتي شرائع مختلفة، وترسل رسل كرام في عصر واحد، حسب الاقوام. وقد حدث هذا فعلاً.
اما بعد ختم النبوة، وبعثة خاتم الانبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تعد هناك حاجة الى شريعة اخرى. لان شريعته العظمى كافية ووافية لكل قوم في كل عصر.
اما جزئيات الاحكام غير المنصوص عليها التي تقتضي التبديل تبعاً للظروف، فان اجتهادات فقهاء المذاهب كفيلة بمعالجة التبديل. فكما تبدل الملابس باختلاف المواسم، وتغيّر الادوية حسب حاجة المرضى، كذلك تبدل الشرائع حسب العصور، وتدور الاحكام وفق استعدادات الامم الفطرية، لان الاحكام الشرعية الفرعية تتبع الاحوال البشرية، وتأتي منسجمة معها وتصبح دواء لدائها.
ففي زمن الانبياء السابقين عليهم السلام كانت الطبقات البشرية متباعدة بعضها عن بعض، مع ما فيهم من جفاء وشدة في السجايا، فكانوا اقرب ما يكونون الى البداوة في الافكار، لذا اتت الشرائع في تلك الازمنة متباينة مختلفة، مع موافقتها لأحوالهم وانسجامها على اوضاعهم، حتى لقد اتى انبياء متعددون بشرائع مختلفة في منطقة واحدة وفي عصر واحد.
¥