تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمية وفساد في الطريقة العملية، فقل أن يفسد باطن عبد بطروء فساد في مادة القلب العلمية ولا يقترن بطروء فساد في مادة الجوارح العملية، فالاقتران بين العلم والعمل: صحة أو فسادا أمر ضروري لا يفتقر إلى دليل نظري، ولذلك حسن وصفهم بأنهم في خوض يلعبون، فحصل التكذيب وهو مئنة من فساد قوى العلم، وحصل اللعب وهو مئنة من فساد قوى العمل، فصارت تلك المحال قابلة لآثار الوعيد لما قام بها من رسم الفساد الباطن والظاهر، فذلك الاقتران من قبيل اقتران فساد العلم والعمل في قوله تعالى: (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)، فالاستمتاع بالخلاق مئنة من فساد العمل الظاهر إن لم يكن على رسم الوحي الذي أبان عن طرائق اللعب المباح الذي يؤجر صاحبه إذا استحضر نية صالحة، فـ: "كل لهو يلهو به الرجل لهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته فإنه من الحق"، فجاء العموم في معرض تقرير الأصل وذلك ما سوغ الابتداء به فـ: "كل": نص في العموم، فضلا عن إضافته إلى نكرة، فأفادته تخصيصا، والتخصيص مما يرفع الإبهام فيصير اللفظ صالحا للابتداء، فالعموم يراد به الحكم على الجنس بأكمله لا فرد بعينه، والتخصيص يزيل إجمال اللفظ في نفسه بقصر دلالته على نوع بعينه هو نوع اللهو الذي يراد بيان حكمه، فكل لهو باطل، فذلك عموم صدر به السياق فهو الأصل في هذا الباب، فلم يخلق الإنسان ليلهو ويعبث، بل ليعمل وينصب، فاللعب مظنة الغفلة إلا ما كان بقدر الترويح والاستجمام، فـ: "روَّحوا عن القلوب ساعة، فإنها إذا أكرهت عميت" كما أثر عن علي، رضي الله عنه، وقال بكر بن عبد الله المُزني: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال"، فذلك رسم الوسطية العجيب الذي نجح صدر الأمة، رضي الله عنهم، في تحقيقه بدقة متناهية فعلموا متى يحسن الجد ومتى يقبح، ومتى يحسن المزاح ومتى يقبح، وما القدر الذي تحسن مباشرته منه لئلا تسقط الهيبة ولتحصل المؤانسة للأهل والولد والأصحاب في نفس الوقت فمن يقدر على ضبط الأمر على هذا الوجه المتقن؟!، فباللهو المباح لا يقع الإنسان في السآمة والملل بمداومة العبادة واتصال زمانها، فذلك غلو يفضي إلى الانقطاع كما قد وقع من رهبان الأمم الماضية ومن سار على طريقتهم من متعبدة الأمة الخاتمة، فيخرج به الإنسان عن حد الاعتدال، وينازع الملائكة طريقتهم مع اختلاف جبلته عن جبلتهم، فلكل جبلة أحكام وتكاليف تلائمها، فالخروج عن حكم نوع إلى حكم آخر خروج عن مقتضى العقل الصريح بالتسوية في الحكم بين متباينين في الوصف فيروم صاحبه أن يصير البشر ملائكة!، وليس ذلك بمقدور، فإن فيه معارضة صريحة للسنة الربانية النافذة، فاختلاف الأصل يؤدي بداهة إلى اختلاف الفرع، فأصل الملائكة النور، فهو خلق لطيف قد خلصت مادته مما يثقله فلا يفتقر إلى شهوات يستبقي به وجوده أو نوعه فلا يجوع ولا يعطش ولا ينكح ولا يمل ولا يسأم من طول العبادة، بل: (لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، فحصل بطباق السلب المعنوي لا اللفظي بين نفي الاستكبار والاستحسار من جهة، وإثبات التسبيح من جهة أخرى فهو فرد من أفراد العبادة التي يباشرها جنس الملائكة برسم الخضوع فلا كبر، والنشاط فلا فترة، فلا ينقطع العبد عن العبادة إلا لكبر في نفسه أو ضعف وفتور في جسده، والملائكة قد نزهت عن كلا العارضين: العارض الإبليسي الذي يولد الكبر والعارض النفساني الذي يولد في الفتور والسآمة، ويقال أيضا بأن: المضارعة مئنة من التجدد والاستمرار فذلك وصفهم اللازم فلا ينفكون عن عبادة، فـ: "ما في السّماوات السبع موضع قدمٍ ولا شِبر ولا كفّ إِلّا وفيه ملكٌ قائم أو ملك ساجد أو ملك راكِع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! إِلّا أنّا لم نشرك بِك شيئا"، فهيأ الرب، جل وعلا، تلك الأجسام النورانية اللطيفة للتسبيح بلا انقطاع أو فتور أو سآمة، فالخلقة النورانية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير