تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النافذة، بل لو ثقلت بهم أو حزن لأثر ذلك في البدن بالمرض، وإن كان صاحبه مأجورا إن كان مؤمنا، فـ: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".

فلا يتصور الانفكاك بينهما إلا بالموت الذي يفني الأبدان ويطلق الأرواح من صورة اللحم والدم إلى فضاء اللذة أو الألم، فتنعم إن كانت مؤمنة، وتعذب إن كانت كافرة.

فلذات الدنيا المحسوسة أو المعقولة إن لم تستعمل في الترويح عن النفس لتنهض إلى تأويل ما كلفت به من الأعمال، فهي باطل محض، فالباطل منه المحض، ومنه ما هو باطل في نفسه وإن حسن تناوله لبعض أجناس المكلفين فهو مما يروح به عن النفوس، ويصد به ضعاف العقول عن مقارفة الباطل المحض الذي يستوجب الذم والوعيد، فللذات المذكورة في الحديث: "رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته"، والتي جاءت على حد الاستثناء المتصل فهي من صور التخصيص المتصل للعموم القياسي الذي صدر به الحديث، فأفادت خروج أفراد بعينهم عن حكم البطلان العام، وبقي العام محفوظا فيما عداها، فالعام المخصوص، كما قرر أهل الأصول، حجة فيما عدا صورة التخصيص، فلا يستثنى غيرها طردا للأصل، فجنس اللهو مذموم إلا ما ورد النص باستثنائه مما يحسن في حق المكلف فبه تحصل العفة وبه يكون الإحسان إلى الصاحب بالإعفاف، فتتخلص النفوس من ضغط وإلحاح الحاجة الفطرية، كما أشار إلى ذلك المعنى صاحب "شبهات حول الإسلام" حفظه الله وسدده، بقوله:

"إن التخلص من ثقلة الجنس على الأعصاب هدف صحيح، والإسلام يوليه أكبر عنايته، لأنه يعلم - قبل أن يكتشف الأمريكان ذلك - أن اشتغال المحرومين بمسائل الجنس يعطلهم عن قدر من الإنتاج، ويحبسهم في ميدان الضرورة فلا يرتفعون إلا ريثما يعودون فيهبطون. ولكن الهدف الصحيح ينبغي أن تتخذ له الوسائل الصحيحة. وتلويث المجتمع كله، وإطلاق فتيانه وفتياته كالبهائم ينزو بعضهم على بعض ليس هو الطريق الصحيح. فإذا كان الإنتاج الأمريكي الضخم ناتجاً - كما يفهم المغفلون - من هذه الفوضى الجنسية، فليعلموا أولاً أنه إنتاج مادي بحت، يمكن أن يغني فيه الإنسان الآلي عما قريب عن الإنسان الحي. أما في عالم الأفكار والمبادئ فأمريكا هي التي تسترق الزنوج أبشع استرقاق عرفته البشرية في تاريخها الحديث، وهي التي تؤيد كل قضية استعمار على ظهر الأرض. ولا يمكن الفصل بين الهبوط النفسي المتمثل في حيوانية الغريزة، والهبوط النفسي المتمثل في الاسترقاق والاستعمار، فكلاهما انحدار لا يمكن أن يلجأ إليه (المتحضرون) ". اهـ

"شبهات حول الإسلام"، ص166، 167.

وبه يحصل المران على فنون القتال، فذلك مما لا يتم واجب الجهاد إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيكون حقا محمودا من هذا الوجه، والجهاد، باللسان أو السنان، دفعا أو طلبا، تبعا لما يجد من الأحوال، فباختلافها تختلف الأحكام فيحسن من صور الجهاد في موضع ما لا يحسن في غيره، الجهاد على ما تقدم من آكد الفروض الدينية فهو تأويل سنة التدافع الكونية، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فذلك من التلاؤم الوثيق بين السنن الربانية: كونية كانت أو شرعية، فينزل الجهاد منزلة المكمل للضرورة الأولى من ضرورات الشريعة الخمس، ضرورة: حفظ الدين، فهو مما يحفظ به الدين، ومكمل الضروري، كما قرر أهل المقاصد، ضروري مثله، فما لا يتم الشيء إلا به فله حكمه.

تلك اللذات المذكورة في الحديث من الحق المحض، ويقابلها لذات الشهوات المحرمة فهي من الباطل المحض، وبينهما لذات لا توصف بحق أو باطل محض، فهي باطل بالنظر إلى ضآلة أو عدم نفعها، وهي حق من جهة إباحتها ولو لبعض المكلفين لا سيما ضعاف العقول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وليس كل مباح يحسن تناوله، فمنه ما قد يخرم مروءة أصحاب النفوس الكاملة، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حق عمر رضي الله عنه: "هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ"، فلا يحب الباطل الذي تنشغل به النفوس عن عظائم الأمور ولو كان مباحا في نفسه فلا يحسن في حقه ما يحسن في حق الصبية والجواري من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير