تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جميعا أولى من إهمال بعضها بنسخ أو ترجيح كما قرر أهل الأصول، لم ير أحد الرب جل وعلا في دار التكليف، ولو مطلق رؤية، ولا يراه أحد في دار الجزاء: رؤية إحاطة، ولو كان أعظم خلقه قدرا وأكملهم وصفا وأحبهم إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغيره محجوب عن تلك الدرجة من باب أولى، فلا تطمع العقول في درك وصفه في الأولى إلا معان تثبت في الذهن بها يحصل التصور لما يجب الإيمان به من كمالات الرب جل وعلا، ولا تطمع في الإحاطة به في دار الجزاء، فذلك، كما تقدم، مما استأثر به الرب، جل وعلا، فبه يحصل الفرقان المبين بين الرب الحميد المجيد، والمخلوق الذي تقصر مداركه عن الإحاطة بكمال خالقه جل وعلا. فلا مطمع في ذلك، فكيف بمن أجاز بل أوجب حلول ذاته ووصفه أو اتحادهما بخلقه ليحصل له كمال التصور لمعبوده في دار الابتلاء، فبطل معنى الإيمان بالغيب، بل وانقلب إلى إيمان بالمحال بتجويز طروء عوارض النقص الجبلي في الكائنات على خالقها جل وعلا!، ومع ذلك يدعي أصحاب تلك المقالات الوثنية أنهم أهل نظر وروية!.

وأحكام الوحي من وجه ثان فهو قسيم الوجه الخبري: أعدل الأحكام فالنبوات قد أتت بأصول الشرائع الكاملة والأخلاق الفاضلة فذلك مما لا يتصور بداهة وقوع النسخ فيه، فهو نسخ لبدائه العقول، وذلك، كما تقدم مرارا، فرقان بين طريقة الأنبياء عليهم السلام، وطريقة أعدائهم، فالأنبياء، عليهم السلام، لا يأتون إلا بخبر يوجب العقل تصديقه، أو يجوز، على أقل تقدير، وقوعه، كصفات الفعل التي لا يوجبها العقل ولا ينفيها، من قبيل نزول الرب، جل وعلا، في الثلث الأخير، فينزل نزولا يليق بجلاله، فقد صار الخبر الجائز الذي يحار العقل في تعيين كنهه وإن لم يحل وقوعه، فمعناه من الجائز العقلي، ففي النزول نوع قرب، وذلك مما يجوز في حق الرب، جل وعلا، رحمة بعباده، على الوجه اللائق بجلاله، فينزل ليغفر الذنب ويجيب السؤل، برسم: "مَنْ ذَا الذِى يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الذِى يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الذِى يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ"، فذلك من الجائز الذي جاء خبر الوحي، الفرقان المبين في باب الإلهيات، بإثباته فصار واجبا من هذا الوجه، فهو من الصفات الخبرية التي لا يدل العقل عليها ابتداء، بإثبات أو نفي، حتى يرد خبر التنزيل بإثباتها، فتثبت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، بلا قياس شمول أو تمثيل على خلقه، فذلك من الفساد بمكان! فلا يقاس الكامل على الناقص ولا الغائب على الشاهد، فذلك ذريعة إلى الوقوع في التشبيه والتعطيل معا، فيشبه بخلقه ويعطل عن كماله الذي انفرد به فلا شريك له فيه، كما تقدم، والتلازم بين التشبيه من وجه، والتعطيل من آخر: تلازم وثيق، فلا ينفك من شبه الرب، جل وعلا، بخلقه عن تعطيل لوصف كماله الذي انفرد به، فقد أبطل القدر الفارق بين مقام الربوبية ومقام العبودية بتجويز التشابه بينهما فكيف بالحلول والاتحاد وما يلزم منهما من مخالطة وامتزاج؟!، فإذا ثبت كمال انفراده، جل وعلا، بكل كمال ذاتي ووصفي وفعلي مطلق، ورد به التنزيل، فهو العمدة في هذا الباب كما تقدم، إذا ثبت ذلك فإنه يكون ذريعة ضرورية إلى إفراده بمنصب الألوهية: عبودية وتشريعا، فذلك، أيضا، من التلازم العقلي الوثيق.

فلا يتصور أن تحل نبوة خمرا أو خنزيرا كما يزعم أصحاب الشرائع التي تستند إلى الأهواء والأذواق بل والمنامات فمستند الإباحة العامة في دين المثلثة ومن على شاكلتهم ممن فسدت مصادر تلقيهم: رؤيا منامية لراهب أو معظم في الديانة، نسخ برؤياه ما أحكمت النبوات!، وأبى من جاء بعده من أرباب الكهنوت إلا السير على رؤياه!، وذلك، عند التدبر والنظر، من صور الكبر الذي لا يدخل صاحبه الجنة، بل ذلك من الكبر الذي يمنع صاحبه من دخولها، فلن يدخلها أبدا من كذب بالوحي وافترى على الرب، جل وعلا، فذلك، أيضا، من التلازم الوثيق، فقد استكبر الأحبار والرهبان عن تصديق أخبار النبوة الخاتمة وامتثال أحكامها العادلة، مع علمهم يقينا بما عندهم من خبر الكتاب الأول بصحتها وصدق صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخبره ووصفه بل واسمه في كتبهم مسطور فهو: (الرَّسُولَ النَّبِيَّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير