تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، وقد شهد بذلك: (شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)، فالكبر من أعظم أسباب رد الحق وهو مما ينازع صاحبه الرب جل وعلا وصف كبريائه، فشهد الشاهد من بني إسرائيل وهو الكليم عليه السلام أو الحبر الجليل ابن سلام رضي الله عنه فمن: (قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، خصوصا وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من يهود زمانه، على القول الراجح على خلاف معروف في كتب التفسير، والحكم يعم كل من آمن منهم به صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاته وإن فاته خطاب المواجهة، وممن خلق الرب جل وعلا: (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) عموما، فيهدون بالحق بتصديق أخباره وبه يعدلون في امتثال أحكامه على ما تقرر مرارا من التلازم الوثيق بين صلاح الباطن بخبر الوحي وصلاح الظاهر بشرعه وحكمه.

فاستكبر المجموع، وإن آمن بعضهم ولا زال ممن كان على طريقة الحبر الجليل: عبد الله بن سلام، رضي الله عنه، فلا يدخل أولئك المستكبرون الجنة بفحوى خطاب حديث: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، ففي قلوبهم مثاقيل بل قناطير من الكبر على خبر الوحي وحكمه، فلا يدخلون الجنة من باب أولى، وقد استكبروا عن الوحي، ففسدت قواهم العلمية بما طرأ عليها من شبهات ردية، لا مستند لها من كلام النبوات المحفوظ، وفسدت قواهم العملية بما طرأ عليها من شهوات محرمة، فهم أعظم الناس ولوغا في الشهوات فلا ينفك من فسد باطنه، عن فساد في الظاهر فذلك من تأويل فساد الباطن، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين قوى التصور من جهة، وقوى الإرادة والفعل من أخرى، وفضائحهم المسطورة والمشهودة! خير شاهد على ذلك.

فأعظم الكبر: الكبر على الوحي: خبرا وحكما، فهو الأصل لما يليه لزوما من صور الكبر على الخلق، فيستكبر على أتباعه فضلا عن أعدائه، فلا يصغي إلى نصح، ولو من مقرب، فقد رام منازعة الرب، جل وعلا، وصف جلاله، فـ: "الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ"، فاستعيرت المعاني المحسوسة التي تدل على اختصاص صاحبها بها، فالرداء والإزار مما يختص باللابس فلا يشركه غيره فيهما بداهة، استعيرت تلك المعاني المحسوسة وهي مظنة الاختصاص، كما تقدم، للمعاني المعقولة من الكبرياء والعظمة، فتلك من أخص صفات الرب، جل وعلا، فلا يشركه فيها غيره من باب أولى، فقياس الصورة المعقولة على الصورة المحسوسة في هذا السياق يندرج في قياس الأولى، فمعنى الاختصاص في الفرع آكد في الثبوت منه في الأصل، فاختصاص الرب، جل وعلا، بمعاني الكبرياء والعظمة آكد في الثبوت من اختصاص اللابس بردائه وإزاره، وهي من وجه آخر من الصفات التي تتفاوت حسنا أو قبحا، صحة أو فسادا، بتفاوت حال من تقوم به، فتحسن وتصح بل وتجب في حق الرب، جل وعلا، فذاته القدسية محل يلائم صفات الجلال والعلو من كبرياء وعظمة وقهر، فله علو الذات وعلو الشأن وعلو القهر، كما قرر أهل العلم، وتقبح بل وتمتنع في حق العبد فمحله الضعيف لا يقوى على تحمل آثارها فالكبر في حقه مفسدة، فهو مما يصده عن اتباع الحق، فـ: (جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، وتلك معصية إبليسية لا يرجى لصاحبها نجاة فمعدنها شبهة علمية فاسدة بقياس باطل عارض به إبليس الأمر الشرعي الواجب، فالمعصية البشرية التي أخرج بها آدم عليه السلام من الجنة في المقابل: مما يرجى لصاحبها النجاة ولو لم يدخل الجنة ابتداء، ولو كان في قلبه من الكبر شيء، ولو يسير، فلا ينفك العاصي عن كبر على الأمر الشرعي، فكل من عصى الله، عز وجل، ففيه من إبليس شبه ولكن الشبه قد يعظم فينقض أصل التوحيد في القلب، فلا يدخل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير