تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صاحبه الجنة أبدا، فيكون العموم في حقه محفوظا، فالكبر على هذا الوجه مقيد بوصف يدل على انتقاض أصل الدين، فتأويل السياق على هذا الوجه يكون من قبيل: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ناقض لأصل الملة ككبر إبليس، فهو كبر قد نشأ، كما تقدم، من شبهة علمية فمحله المحل الباطن وتأثيره التأثير الناقض لأصل الملة كما تقدم، وعليه، أيضا، تكون "أل" في "الجنة": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فلا يدخل الكافر الجنة مطلقا فكل الجنان عليه محرمة فذنبه مما لا تطهره نار العصاة المؤقتة فلا يليق بخبثه إلا نار السموم المؤبدة، فالعموم محفوظ على كلا الوجهين: فانتفى فعل الدخول مطلقا للجنة المدخولة مطلقا.

وأما على الوجه الأول الذي يحمل فيه الكبر على كبر العصاة فمعهم أصل التوحيد، دون كماله الواجب فالوعيد بالحرمان من دخول الجنة يدل بداهة على انتفاء القدر الواجب من الإيمان، إن لم يتعد ذلك إلى انتفاء أصل الإيمان كما تقدم من حال رءوس الضلالة في الديانة من أحبار ورهبان علموا فأنكروا وأمروا فلم يمتثلوا لكبر في نفوسهم ما هم ببالغيه، فيجادلون: فجدالهم جدال المشبه الذي علم الحق يقينا ثم أصر على تكذيبه فلا ينفع معه الجدال بالتي هي أحسن، فهو من أهل الاستثناء في قوله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)، وإنما ينفع الجدال مع المسترشد الطالب للهداية، أو الصادق الذي يعتقد ما يقول حقا وإن كان عين الباطل فينافح عنه صدقا لا كذبا كحال من ينافح عن مقالته مع ظهور بطلانها، فلا تسلم له دنياه إلا بفساد دينه بل وإفساد دين غيره فظهور الحق يزهق رياساته ومآكله برسم: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

فعلى الوجه الأول يخص الكبر بما لا ينقض أصل الملة، ويخص الدخول بالدخول ابتداء، وتكون "أل" في "الجنة": إما

جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتأويل السياق: لا يدخل الجنان المعدة لمن سلموا من دنس الذنوب، لا يدخلها ابتداء من كان في قلبه كبر لا ينقض أصل التوحيد. فلا يدخلها ابتداء حتى يحصل له التطهير بكير نار العصاة المؤقت فإذا طهر صار محله قابلا لآثار النعيم المؤبد فيدخل الجنة انتهاء بعد نفاذ الوعيد في حقه وقد يدخل ابتداء إن قام به مانع من موانع نفاذ الوعيد فإطلاق الوعيد لا يمنع تخلفه في بعض الأفراد فضلا من الرب، جل وعلا، ونفاذه في آخرين عدلا منه تبارك وتعالى، فالجهة منفكة، فجهة الفضل مظنة ظهور آثار جمال الرب، جل وعلا، وجهة العدل مظنة ظهور آثار جلال الرب جل وعلا.

أو عهدية: فهي تشير إلى معهود بعينه هو جنان مخصوصة لمن سلم من دنس هذه المعصية فلا يدخلها غيرهم، فالمتكبر لا يدخلها وإن دخل جنانا أخرى.

وهذا التفسير يطرد في كل نصوص الوعيد بالحرمان من دخول الجنة من قبيل:

"لا يدخل الجنة قاطع"، و: "لا يدخل الجنة نمام".

ثم يكون الجزاء من جنس العمل: "يحشر المتكبرون الجبارون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس لهوانهم على الله عز وجل"، فذلك جار مجرى قول أهل العلم: من تعجل شيئا عوقب بالحرمان منه، فقد تعجلوا ما توهموا فيه الكمال وهو عين النقصان فعوقبوا بالحرمان منه في دار الجزاء فأرادوا العز فهانوا على الرب، جل وعلا، فهم أذل الناس حالا وأحقرهم صورة.

أو يجري مجرى: الجزاء بضد المراد، فأرادوا العزة بغير الحق فعوقبوا بالذلة والمهانة.

وخص القلب بالذكر ففيه ينشأ الكبر، فالكبر محله الباطن، وأثره في الظاهر، فلا تنفك الحركة القلبية الباطنة عن أثر ظاهر في القول والفعل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وإليه أشار في "إحياء علوم الدين" بقوله:

"اعلم أن الكبر خلق باطن وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهي ثمرة ونتيجة وينبغي أن تسمى تكبرا ويخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير وهذا الباطن له موجب واحد وهو العجب الذي يتعلق بالمتكبر ........ فإنه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وبعمله أو بشيء من أسبابه استعظم وتكبر". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير