النقصان، وإنما تكون النجاة فيها باحتمال المفسدة العارضة رجاء نيل المصلحة العظمى، واحتمال الألم العارض رجاء حصول اللذة الدائمة كما يحتمل الطفل وخز اللقاح فهو مؤلم، ولكنه مآله: حفظ الصحة التي يلتذ بها الصحيح فلا يعرف قدرها إلا السقيم.
وفي الدنيا أيضا في معرض استقراء صاحب التحرير والتنوير رحمه الله: مؤلمات هي أصل في بابها كسائر أجناس المصائب الكونية من آلام وأسقام ..... إلخ، فذلك، أيضا مما لا يدل عليه القصر الإضافي في الآية، فما ورد إلا لبيان ما تلتذ به النفوس تزهيدا فيه بتحقير شأنه، فلا يحسن بداهة ذكر المؤلمات فالنفوس قد زهدت فيها ابتداء.
وزيد في معنى التزهيد بتنكير: اللهو واللعب، فالتنكير فيهما للتحقير.
ثم جاء الشطر الثاني من القسمة العقلية في معرض المفاضلة بـ: "خَيْرٌ": فهي منزوعة التفضيل، كما تقدم، واختص المتقون بذلك لدلالة اللام فذلك من وجوه العناية بهم والامتنان عليهم بحسن المآل، وجاء الاختصاص على جهة التعريف بالموصولية إشارة إلى معنى التقوى الذي اشتقت منه الصلة فهو محط الفائدة وهو العلة التي أنيط بها الحكم، وجيء به على حد المضارعة استحضارا للصورة فضلا عن دلالة المضارعة على الديمومة فذلك وصف يلازم أصحابه فرسمهم التقوى، وإن وقع لهم نوع غفلة، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
وفي هذا الاختصاص تعريض بالكفار فليسوا من المتقين بداهة، فلا حظ لهم في هذه الخيرية.
ثم جاء التذييل بالاستفهام الإنكاري ويحتمل معنى التوبيخ إن تعلق الخطاب بالكفار، أو معنى التحذير إن تعلق الخطاب بالمؤمنين، وجوز صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله حمله على كلا المعنيين فالسياق يحتملهما معا وجعل ذلك شاهدا لما تقدم من جواز حمل المشترك على كلا معنييه لانفكاك الجهة بينهما.
والله أعلى وأعلم.
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[16 - 12 - 2010, 09:03 م]ـ
موضوع جيد ومفيد شكرا لك
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 12 - 2010, 04:00 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق أستاذ يحيى.
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ):
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ: فذلك من العموم المؤكد والشيئية في هذا الموضع مئنة من التحقير وهو مما يلائم حال الدنيا، ولذلك حسن حذف الفاعل تنزيها لذكره، جل وعلا، فذلك من قبيل حذف الفاعل في قولك: خُلق الخنزير، فمؤتي الدنيا وخالق الخنزير بكلماته الكونية النافذة هو الرب، جل وعلا، ولكن المخلوق حقير في نفسه، فشره فيه لا في فعل خالقه، جل وعلا، فحسن حذف الفاعل تنزيها له وسهل ذلك العلم الضروري له، فذلك من المعلوم الديني فـ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، فذلك من العموم المحفوظ بالنظر إلى دلالة الاقتضاء، فالسياق يقتضي بداهة محذوفا يقيد إطلاق الشيء، فالله خالق كل شيء يصح تعلق فعل الخلق به من العرش إلى أسفل سافلين، فالشيئية معنى عام يطلق على كل موجود في الخارج، فمنه الموجود برسم الأزل فليس بحادث أو مخلوق، بل هو الخالق لكل ما سواه، فجميع الكائنات قد صدرت عن كلماته الكونية النافذة، فكلماته الكونية هي العلة الأولى التي صدرت عنها جميع المخلوقات، فليس وراءها علة فهي، كما تقدم مرارا، أثر صفات فعله، جل وعلا، تقديرا وكتابة وإيجادا وتدبيرا ...... إلخ، فضلا عن كونها وصفا من صفاته، جل وعلا، فهي من وصف الذات باعتبار النوع، ومن وصف الفعل باعتبار الآحاد، فهي وصف في نفسها وهي أثر أوصاف أخرى فبها يظهر كمال وصفه جل وعلا: تقديرا وإيجادا وتدبيرا وتأثيرا في الكون بتسيير الخلق على سنن محكم، فتلك آثار قدرته النافذة وحكمته البالغة، وبهما يكتمل وصف الرب، جل وعلا، كمالا مطلقا لا مزيد عليه، فمن ذا الذي ينازع الرب، جل وعلا، وصف كماله التكويني والتشريعي، وإن كان بزعمه! زعيما دينيا ينوب عن السماء في تسيير شئون الأرض، فهو رجل غير عادي يصلح لحكم العالم وربما الكون، فعنده من عمق الرؤية الفكرية ما لا يدركه سفهاء البشر الذين يردون
¥