تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأمر إلى الرب الواحد في ذاته الأحد في صفاته، فليس كمثله شيء، فتلك شيئية أخرى، وردت في سياق نفي فأفادت عموما آخر محفوظا من كل وجه، فليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء، وليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته، فتعددت وجوه النفي بتعدد القيود، فليس كمثله شيء من أي وجه في أي مكان، فذلك أبلغ ما يكون في الثناء عليه برسم الانفراد بكمال الذات والوصف فتلك مرتبة تمتنع فيها الشركة وتقبح فيها المنازعة، لا سيما إن كان المنازع طاغوتا قد جاوز الحد في الطغيان برسم الديانة أو السياسة، فقد ابتليت البشرية لا سيما في الأعصار المتأخرة، بحفنة من نواب السماء، ونواب الإمام، وشيوخ الضلال الذين تولوا الخلافة مع أنها قد سقطت من قرن أو أقل!، فهؤلاء قد طغوا برسم الديانة، والطغيان الديني طغيان قديم من لدن غلا من غلا في الصالحين، فـ: (قَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، فقال الملأ في معرض النصيحة!، وبئست النصيحة، قالوا برسم الأمر إرشادا إلى بغية الشيطان في هدم الأديان، بغلو في مخلوق يقدح في أصل توحيد الخالق، جل وعلا، قالوا: (لا تذرن) على حد التوكيد بالنون المثقلة في معرض التواصي بالباطل! وهو مثال يذكره من صنف في وجوه الحذف في لسان العرب استقلالا أو بابا في مصنف كابن هشام رحمه الله في "مغني اللبيب" فهو من وجوه حذف الحرف فحذفت النون كراهة توالي الأمثال وحذفت الواو لامتناع التقاء الساكنين في لسان العرب، فاستمسكوا بما أوحى لكم الشيطان من غلو في أولئك الأفاضل فما اتخذتوهم إلا أسوة، وما عبدتموهم بعد ذلك إلا ليقربوكم إلى الله زلفى، فـ: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فذلك من القصر الإضافي بالنظر إلى بساط الحال في احتجاج الأنبياء عليهم السلام بحجة التوحيد الدامغة، واحتجاجهم بأنهم موحدون بالفعل، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وذلك عند التدبر والنظر، حجة عليهم، فإن توحيد الرب في فعله يستوجب بداهة توحيده بقول وفعل عباده، فلا إله معبود بحق إلا هو، فذلك لازم الإقرار بأنه لا رب خالق مدبر إلا هو، فأقروا بالملزوم، فالإقرار به لا يضرهم في شيء!، فليس ذلك إلا تصورا علميا محضا، لا أثر له في حياتهم، فقد خلقهم الرب، جل وعلا، وانتهى الأمر، على طريقة من زعم بأن الله عز وجل خلق الكون ثم نسيه فهو كالساعة التي أتقن صانعا صنعها ومن ثم تركها فهي تسير وفق سنة ميكانيكية رتيبة وواقع الكون يكذب ذلك فتفاوت الأحوال على نحو تنكسر فيه السنة المطردة وإن كان الأصل اطرادها ذلك التفاوت كما شهدنا في الآونة الأخيرة من تقلب أحوال الجو فساد الحر حينا بعد انقضاء زمانه المحدود بمقتضى سنة الكون ثم جاء البرد قارصا أشد مما جرت السنة به في هذه الآونة ذلك التفاوت يدل على قوة عليا قاهرة مؤثرة إن شاءت أجرت السنة على معهود البشر وإن شاءت عطلتها كما عطلت سنة العادة في آيات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء وهي ثابتة برسم التواتر حتى عند غير أهل الإسلام بل لم يزل وقوعها في زماننا حاصلا برسم الكرامة للمؤمن أو الخارقة للكافر وكما تعطل السنة العادية في كثير من أحوال البشر فيشفى المريض مرضا مزمنا قد شارف به على الهلاك ويموت السليم من غير علة ..... إلخ فكل ذلك مما يدل ضرورة على فعل الرب جل وعلا في كونه برسم القدرة والحكمة فله الأمر كونا وهو ما سلم به أولئك وله الأمر شرعا، وهو ما أنكروه، فصار الأمر والنهي لهم، أو لرءوسهم إن شئت الدقة فهم المنازع، كما تقدم، للرب، جل وعلا، برسم الديانة، فرءوس الملل المبدلة يسطون بأتباعهم برسم الطغيان الديني، وملوك الجور يسطون برعيتهم برسم الطغيان السياسي، وغالبا ما يقع التحالف الآثم بين القبيلين كما قد وقع في دين النصرانية، وهو التحالف الذي أظلم سماء أوروبا زمن الإقطاع، فتنافس القبيلان، فالتحالف بينهما تكتيكي بحت!، تنافسا في السطو والقهر، فهذا يسطو برسم الديانة فلن يكون خلاص في الآخرة إلا بالذل والخضوع له والعمل في مزارعه سخرة، وذاك يسطو برسم السياسة فلن يسلم الإنسان من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير