تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سيفه الجائر إلا بإظهار الولاء الكامل وتقديم آيات الثناء، ولو نفاقا، فالأباطرة والفراعنة أصحاب حق إلهي في الملك، فليست الدماء التي تجري في عروقهم من جنس الدماء التي تجري في عروق بقية البشر!، فلهم أن يحكموا بما شاءوا ولو نقضوا بحكمهم الجائر حكم النبوة العادل، ولهم أن يخرقوا ما شاءوا من القوانين والدساتير التي أحدثوها بأيديهم، فما شاءوا أحكموا وما شاءوا نسخوا فهم، كما تقدم، إنما يحكمون برسم التفويض الإلهي الذي سلطهم على البشر، وذلك معنى صحيح من وجه، فقد سلطهم الرب، جل وعلا، على البشر عقوبة كونية عادلة على تعطيل أحكام النبوة، وتلك نظرية معروفة في عالم السياسة لا سيما في الممالك التي ظهر فيها الغلو في الأسر الحاكمة التي تتوارث الدول توارث الدمى!، فأكاسرة فارس آلهة بلسان الحال، ورسوم الدخول عليهم تشهد بذلك!، فأين التكلف والغلو في الدخول عليهم مع فساد حالهم، أين هذا من الدخول على الأنبياء عليهم السلام فليس لمجالسهم حجاب، وليس لذواتهم عروش، بل لا يعرفهم الغريب إن دخل عليهم في جمع من أتباعهم، وفراعين مصر قد جاوزا الحد فصرحوا على لسان أحدهم، وكثير منهم وإن تأخر زمانه تكاد حاله الردية تنطق بها فهو الزعيم الملهم والبطل المخلد ....... إلخ من الألقاب التي يصدق فيها قول الشاعر:

ألقاب مملكة في غير موضعها ******* كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد.

وليتها كانت كذلك بل قد جاوزت ذلك فأصبحت ألقاب غلو فاحش في مخلوق ناقص بل فاسد، فاستحق من غلا فيه عقوبة إضلاله وتسليطه عليه إفسادا لدينه وإفناء لبدنه، فشؤم ملوك الجور يعم الدين والدنيا معا فما وضعت الخلافة عن النبوة إلا لحفظ الدين وسياسة الدنيا به، فإذا أقصيت النبوة عن الحكم فماذا بقي من الخلافة؟!، وماذا بقي من دين يسوس أو دنيا تساس، وما الذي يرتجى من دنيا لا تساس برسم النبوة، وقد نزعت منها مادة صلاحها فإن الدنيا لا تصلح ولو صلاحا محسوسا بتوافر الأقوات واستقرار الأحوال، لا تصلح إلا إذا أشرقت عليها شمس النبوة، فالنبوة، كما تقدم مرارا، مادة صلاح الكون، فبها يصلح الحال، ويصلح المآل، فلا تستقيم حال الفرد في نفسه، ولا تستقيم أحوال الجماعات، بل ولا تطيب طعوم الزروع والثمار إلا ببركة ظهور آثار النبوة، فشؤم اندراسها يعم الكون والشرع معا، فيفسد الدين بما أحدثه ملوك الجور ورهبان السوء، وتفسد الدنيا بشؤم فساد الدين، فالتلازم بينهما، كما تقدم، تلازم وثيق، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، فظهر الفساد الكوني بما اكتسب الناس من الآثام، فذلك من إفساد الطريقة الدينية بمخالفة السنة الشرعية، ولا تكون إلا برسم اتباع النبوة، فلازم إفسادها: تبديل السنة الكونية، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فجاء النفي برسم الجحود إمعانا في تقرير المعنى فذلك مئنة من رسوخ واطراد السنة الربانية التي كتبها الرب، جل وعلا، على نفسه، وهي عند التدبر والنظر، مئنة من حكمته البالغة بدوران الأحكام مع عللها وجودا وعدما، فلا يكون تغيير في حكم الرب، جل وعلا، إلا بتغيير في فعل العبد صلاحا يجلب الخير الآجل فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وهو أعظم صلاح وإن غفل عنه من غفل من أرباب الدنيا الذين لا يؤمنون إلا بما يدركونه بحسهم الظاهر فنفوسهم الكثيفة محجوبة عن معالي الأمور الدينية الشريفة فلا تلائم بعلوها سفل نفوسهم ودنو هممهم، وهو مع ذلك يجلب الخير العاجل فتلك عاجل البشرى، فـ: (لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)، فالنبوة، كما تقدم، مادة صلاح في الحال والمآل، فباينت من هذا الوجه مناهج الدين المحدث برسم الرياضة والتصوف، فتلك ردة فعل لا أكثر لاشتغال البشر بتحصيل شهوات الجسد، فباينهم أرباب الرياضة برهبانية ابتدعوها،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير