تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 111].

في حين أنّ العقيدة النّصرانية (عقيدة التثليث) معقدة لدرجة أنّ النّصراني بنفسه يجد مضضا لتكوين فكرة واضحة المعالم في ذهنه.

إنّ القرآن يمدّ المسلم بتربية شاملة، كاملة منسجمة، والتي تبني شخصية سوية، فهو يعتني ويأخذ بعين الاعتبار كل خصائص الإنسان: الروحية، الثقافية، النفسية، الجسدية، الاجتماعية ... إلخ.

إنّ المسلم لا يقيّد نفسه ولا يحصرها في مجال واحد، إنّه يجد في القرآن ما يحثه على التفكير والتأمل، وعلى البحث لمعرفة العلم وفهم شتّى الظواهر.

الله لا يطلب من الإنسان أن يستأصل غريزته، وأن يُعذب جسده، فهي معركة بلا جدوى، إذ هي ضد الفطرة، بل إنّه يأمر بمجاهدة النّفس لتملك زمامها، دون أن ننسى الاعتناء بالجسد، فلا ينبغي حرمانه من حقوقه.

إنّ الإسلام يحثّ المسلم أن يكون فعالا، وأن يشارك في الحياة الاجتماعية، وذلك بفعل الخير، وزرع الحب والسلّم، وأن يشعر بأنّه نافع وخادم لغيره من الناس، ومطلوب من المسلم كذلك مكافحة الأمراض والآفات الاجتماعية وذلك بالحكمة.

أما التربية التي تريدها النّصرانية، فهي أُحادية الجانب! لا تعتمد إلاّ على الجانب الروحي، فالنّصراني المقطوع عن الواقع تبدو عليه غيبوبة جد ظاهرة، والتي يمكن لها أن تتفاقم مع مرور الوقت لتصبح في الأخير عبارة عن فصام". اهـ

فالإسلام يدعوك إلى مباشرة الطرائق العقلية العلمية والبدنية العملية التي يحصل بها الصلاح العاجل والآجل، فتصلح الدنيا بسياسة الدين بها، ويصلح الدين الذي بصلاحه تكون النجاة في دار الجزاء، فلا يجد المسلم ما يجده النصراني من فصام بين روحه التي تشبعت بأوهام الخلاص فهي تغلو في احتقار الدنيا، وبدنه الذي يطلب حظه بما ركز فيه من قوى الرغبة والشهوة، فيميل كما تقدم إلى إحدى الطريقين: طريق الزهد، فإن حصل وواقع شهوة ولو مباحة فإنه يندم على ذلك ندم المذنب بل المفرط المقترف للكبائر!، فيعد النظر إلى امرأة ولو كانت أمه، ومصافحتها ولو كانت أخته ذنبا يستوجب التوبة وقبلها العقاب بصنوف من الآلام الشاقة التي يوقعها على بدنه فذلك فرع على ما استقر في الوجدان بتعذر حصول التوبة والخلاص إلا بآلام من جنس آلام الصلب!، وتلك نفوس معذبة تعاني من الكبت الحقيقي لا الكبت المزعوم الذي ينبز به الدين الخاتم دين الحنيفية السمحة، فذلك أيضا مما رمتني به وانسلت، فادعاء النصرانية أن الإسلام دين الكبت من جنس ادعائها أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، فالتاريخ شاهد بثبوت كلتا الجنايتين عليها ثبوتا جازما لا مزيد عليه، فلا ترى أعداءها إلا بعينها العوراء بل العمياء، فالكبت، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين هو ما يتولد في النفوس الغالية من شعور بالذنب عند مباشرة شهوة مباحة برسم التوسط والاعتدال، فلا بد من ذلك وإلا فني النوع الإنساني!، فإذا تعذبت النفوس بوخز الضمائر لمجرد ذلك فإنها ستكره الحلال حتما فمباشرته كل مرة تجدد آلامها، فيؤدي ذلك إلى هجرانها، وهل تستقيم حياة أو يهنأ عيش بمثل ذلك؟!، نعم قد يحسن هذا الألم بوخز الضمير إن كانت الشهوة محرمة، أو إن أفرط الإنسان في مباشرة مباح فأورثه ذلك الفضول غلظة وكثافة في نفسه، وثقلا في بدنه، فيستعين بربه، جل وعلا، ويجمع أمره ألا يقارف ذلك مرة أخرى فيحسن عندئذ تأديب النفس بعقوبات شرعية كحال من كان من السلف يؤدب نفسه بالصدقة ليمنع لسانه من الغيبة، ومن أدب نفسه بصيام سنة لنظره إلى ما لا يعنيه أمره من بناء حدث في طريقه، فعد ذلك من النظر المنهي عنه في قوله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير