تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي]

ـ[ابو ريم]ــــــــ[14 - 12 - 2007, 08:58 م]ـ

[مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي]

1

إنّ التعرّف على نشأة قصيدة النثر، وما آل إليه الأمر بشأن تأريخ ظهورها ومن ثم تطورها، ضمن التصوّر العربيّ، يُلزمنا بوضع خطوط رئيسة تكشف أوّليتها عالمياً، وتقرّبنا من لحظات الشروع التي انطلقت منها. خصوصا بعد أن ألمحنا إلى كونها نتاج الثقافة الغربيّة بمختلف متغيّراتها الإجتماعيّة والبيئيّة والطبقيّة والاقتصاديّة، هذه المتغيّرات التي أسهمت في تشكيل الوعي أو الفكر الإنسانيّ، ورسّخت مفاهيم سياسيّة وايديولوجيّة وفلسفيّة طبعت التأريخ بملامحها المميّزة.

ولا بأس من التذكير قبل كل شيء بأنّ قصيدة النثر لم تأخذ لنفسها استقلاليّة، تمكّننا من عدّها نوعاً أو جنساً أدبيّاً، له خصوصيّاته وأعرافه الواضحة المعالم، كما أسلفنا في مهادنا النظريّ. فقصيدة النثرـ بحسب ما ارتأينا ـ شكلٌ من أشكال القصيدة الغنائيّة، وهذا الشكل بدوره، ذو طبيعة متحوّلة، بحكم معطياته التأريخيّة من جهة، ونزعته المتمرّدة، تطامنا مع فكرة التجديد والتجاوز التي غرستها معطيات الحداثة، كما أسلفنا، من جهة أخرى. وهذا الواقع مازال يحكم قصيدة النثر، حتى لحظتنا الراهنة.

إنّ قصيدة النثر من حيث مصطلحها تمثل إشكاليّة تأريخيّة، لو أخذنا بنظرنا الإرث النصيّ الذي تداولته الذاكرة الأدبيّة الغربيّة، فما يمكن أن يكون أنموذجاً لها، على وفق المحددات السائدة التي استقرأتها سوزان بيرنار في كتابها الشهير (قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا)، لزمنا إخراج أكثر النماذج التأريخيّة المؤسّسة لقصيدة النثر، أو التي أريد لها أن تؤسّس، كما أمكننا إخراج نماذج اعتمدتها بيرنار نفسها للتدليل على الشكل، ناهيك عن النصوص اللاحقة التي تمرّدت على ضوابط الشكل (البيرناري)، إن صح التعبير، في ما بعد.

هذه الحقيقة تدعو الباحث إلى التريّث قبل إعطاء تصوّر محدّد ومنتهٍ لأوّليّة قصيدة النثر، يكون بمثابة سيرة تأريخيّة بمقدورها الصمود أمام المتغيّرات الحاصلة في العمليّة الأدبيّة، وبالخصوص في ما يتعلق بشكل من أشكال القصيدة الغنائيّة، وهي النوع المتحوّل بل المطرود قديما من جمهورية الأدب.

وبالتأكيد سيكون من العسير إيجاد المستند التأريخيّ الذي سنعتمده وثيقة في تقصّينا أوليّة قصيدة النثر؛ مالم نتصالح، بدءاً، على قوانين هذه القصيدة، ومن ثم فحص الأثر النصيّ الذي يتطابق وهذه القوانين ليكون أنموذجاً صالحاً لما سندعوه من بعد قصيدة نثر.

إلاّ أنّ واقع قصيدة النثر مختلف بما يكفي لجعل مهمّة الوقوف على قوانين الشكل عسيرة أو لنقل محفوفة بالمعوّقات، فالدراسات التأريخيّة أعطتنا جملة من المقترحات التي تحاول تحديد اللحظة البدئيّة لقصيدة النثر، في الوقت الذي عجزت فيه التنظيرات عن تحديد قوانين هذه القصيدة؛ فـ سوزان بيرنار تشير إلى مقدّمة موريس شابلان التي تصدّرت مؤلفه (مختارات من قصيدة النثر) ()، والتي يقرّر فيها أنّ قصيدة النثر (نوعٌ) " لمّا يتجرّأ منظّر بعد على أن يصوغ قوانينه "، وهذا الأمر بحدّ ذاته منح قصيدة النثر حريّة ـ بتعبير شابلان أيضاً ـ تضفي عليها حيويّة فقدتها جميع أنواع الغنائيّة التقليديّة الأخرى ().

إن هذه الحقيقة التي تؤشّر أبعاد الإشكال التأريخيّ المتعلّق بمفهوم قصيدة النثر تعطينا دافعاً مضافاً لتلمّس ثنايا إشكاليّة لم ينبّه لها دارسو قصيدة النثر، وأعني بذلك مسألة تعدد اللغات التي شاعت فيها، أو بعبارة أكثر دقة، ولدت فيها بشائر قصيدة النثر، وإنْ بصورة بدائيّة أو عفويّة، خارج المؤسّسة النقديّة والتنظيرات الداعمة لها، فما توافر لنا من دراسات تؤرّخ لولادة هذا الشكل الشعريّ الغنائيّ، أغفل ـ مضطراً ـ تعدّد المناخات وخصوصيّتها، وتمسّك بمنطلقات نوعيّة كلاسيكيّة مقارنة مع نماذجها الجديدة في الأدب الحديث، وهذا النوع من التأريخ مهما بدا مقنعاً، إلاّ أنه بقي ناقصاً، فالأدب في أوربا أو العالم الغربيّ الجديد وريث الأدبين الإغريقيّ اليونانيّ واللاتينيّ الرومانيّ دون ريب، لكنّه لم يتطوّر في مراحله اللاحقة بالمستوى نفسه، حيث تعددت البيئات وتكثّرت اللغات، وتتالت الفلسفات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير