تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانيا: يعد "وهم الصدقية"، أحد خصائص السينما، فهي تشبه الحياة، لكنها لا تتكون من الواقع كله، بل من أجزاء وقطع، يتم تفصيلها على شكل ومقاس الشاشة. وفي السينما، حيث العالم المجزأ إلى لقطات، ثمة إمكانية للتركيز على أي جزئية. فاللقطة السينمائية، لها نوع من الحرية اللصيقة بالكلمة، ومن ثم يمكن عزلها وربطها بغيرها من اللقطات، حسب الدلالة، وذلك على عكس الوحدات والتجميعات الطبيعية، كما يمكن استخدام اللقطات استخداما إما مجازيا تصويريا، أو استخداما كنائيا. ومن الممكن لأي صورة ذات امتداد مكاني في الحياة الحقيقية، أن يتم تركيبها في السينما على أساس «التتابع الزمني»، وذلك عن طريق تقسيمها إلى لقطات، ترتب واحدة تلو الأخرى. وتستطيع السينما وحدها، أن تركب صورة شخص، كأنها عبارة Phrase ، تحتل حيزا في الزمان. ويعتبر مفهوم «حدود المكان الفني»، أحد المفاهيم الأساسية في مفهوم اللقطة. ويقوم فن السينما وهو بصدد إنتاج صورة مرئية متحركة للحياة بتقطيع تلك الصور إلى أجزاء.

ولهذا التقطيع، جوانب عديدة، فهو بالنسبة لصانعي الفيلم تقطيع إلى صور، تتابع وقت العرض، بنفس طريقة تتابع الوحدات العروضية إلى الكلمات، في وقت قراءة قصيدة شعرية. وتتحدد حدود اللقطة، بأنها الخط الفاصل الذي ينفصل عنده جزءان، قام المخرج بتصويرهما، يقول إيزنشتاين:] اللقطة هي الخلية الأولى للمونتاج [، ويضيف: «إذا كان لنا أن نشبه المونتاج بشيء، فإننا يجب أن نشبه مجموع قطع المونتاج _اللقطات_ بسلسلة الانفجارات في آلة الاحتراق الداخلي التي تحرك السيارة». ويوافق لوتمان على أن تطور فن المونتاج، قد جعل مفهوم اللقطة واضحا، وفسر ما كان خفيا، لكنه يرى أنه من المبالغة، النظر إلى حدود اللقطة من زاوية صلتها بالمونتاج فقط. ويؤكد لوتمان أن تتابع الأحداث الحياتية في حركة متصلة، يتم، بينما يكون الحدث على الشاشة، حتى دون المونتاج ما يسميه مفاصل فعالة تفصلها امتدادات خالية، مكونة من أنسجة رقيقة رابطة. فالحياة السينمائية، خيط بين «أجزاء مصفوفة» حسب إيزنشتاين. وتختلف الحياة المعروضة عن الحياة الحقيقية، بسبب تقطيعها الإيقاعي الذي هو أساس تقسيم النص السينمائي إلى لقطات، وللتقطيع طابع تلقائي خفي، وبه تدرك الرسالة.

وليست «اللقطة»، مفهوما سكونيا، إنها ليست صورة ساكنة، اتصلت بلقطة تالية لها، ساكنة أيضا. ولذلك لا نستطيع أن نوازي بينها وبين الصورة الفوتوغرافية المستقلة. اللقطة، ظاهرة دينامية، تسمح داخل حدودها بالحركة، وتتضمن أحيانا قدرا كبيرا من الحركة. وهناك تعريفات: فاللقطة هي: «أصغر وحدة في المونتاج»، أو: «الوحدة الأساسية في تشكيل السرد السينمائي»، أو هي: «وحدة العناصر داخل اللقطة»، أو، هي:

«الوحدة في المعنى السينمائي». وببساطة: «نستطيع أن نستبدل بمصطلح اللقطة، مصطلح الكلمة»، وليس هذا الارتباط بين اللغة والسينما، عرضيا. ونستطيع تعريف اللقطة -يقول لوتمان- بتحليل وظائفها، وأول وظائفها: هي: الاشتمال على معنى، فهي الحامل الأساسي للمعاني في لغة السينما، لكن الوحدات الأصغر] تفاصيل اللقطة [، والوحدات الأكبر] تتابع اللقطة [، تحمل معاني أيضا. وتبقى اللقطة كما هي، بصرف النظر، عن حجم الشاشة. وفي السينما يكون مجال الرؤية ثابتا من ناحية المساحة والكم، فلا يمكن أن تتسع مساحة الشاشة أو تضيق.

ثالثا: إن حدود اللقطة الثلاثة (محيطها، طاقتها، واعتمادها على التتابع)، تجعلها وحدة بنائية مستقلة، فهي جزء من الفيلم مع احتفاظها بدورها المستقل، وتحمل معنى مستقلا. وهذه الاستقلالية، تدفع إلى بعث اتجاه مضاد له، يتمثل في محاولة التغلب على استقلالية اللقطة عن طريق إدماجها في وحدات أكثر تعقيدا من المعنى، أو عن طريق تقطيعها إلى عناصر لها دلالة ذات أبعاد أصغر. وبفضل المونتاج تتغلب اللقطة على عزلتها عن طريق التتالي الزمني.

يعتبر يوري لوتمان مواليد (1922) من أهم العلامات البارزة في «جماعة تارتو السيميائية»، وهو بشكل ما بعد شكلاني، فقد ولد في عام الذروة الإنتاجية للشكلانيين الروس، لكنه رغم إعجابه بهم، لم يكن شكلانيا، بل كان بنيويا، سيميائيا، جدليا، وهو أيضا لم يتوقف عند الشعر والسرد، بل توسع في دراسة الفنون، باتجاه دراسة الثقافات، بنفس المنهجية التحليلية البنيوية السيميائية، مبرزا التناقض والاختلاف، إضافة للتماثل والتشابه والتناظر والتوازي ... وغيرها، والأهم هو قراءة العلامات السيميائية في النصوص، ودراسة البنيات وعلاقاتها داخل النص، مع التركيز على جمالية الوحدة الشعرية للنص التي توحد النص، مع استفادته من اللسانيات البنيوية.

الهوامش

يوري لوتمان: تحليل النص الشعري، ترجمة: محمد فتوح أحمد، منشورات النادي الأدبي الثقافي، جدة، السعودية، 1999.

يوري لوتمان، وبوريس أوسبنسكي: حول الآلية السيموطيقية للثقافة، ترجمة: عبدالمنعم تليمة، في كتاب: مدخل إلى السيموطيقا، الجزء ا لثاني، منشورات عيون، الدار البيضاء، المغرب، 1986.

يوري لوتمان: مشكلة اللقطة السينمائية، ترجمة: نصر حامد أبو زيد، المرجع السابق.

الرأي

جمعة 14 تموز 2006م

dr_aldbow***********

د. ايسر الدبو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير