[موقف الجابري وأركون ونصر حامد أبو زيد من التراث]
ـ[دمعة الم]ــــــــ[13 - 06 - 2010, 04:53 م]ـ
موقف الجابري و اركون و نصر حامد ابو زيد من التراث-
نصيرة مصابحية استاذة بالمركز الجامعي سوق اهراس
تبلور الخطاب الفكري في عصر النهضة في خضم الصراع بين تيارات مختلفة، تحاول تأصيل أفكارها من أجل تجاوز الأزمة الحضارية. فلقد برزت مجموعة من التيارات التي تنادي باعتناق الفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد العقل العربي على تخطي أزماته الفكرية واللحاق بركب الحضارة العالمية،وهناك من رفض هذا الفكر وحاول الرجوع إلى التراث، باعتباره القاعدة الأساس التي من خلالها نستطيع الحفاظ على الهوية العربية،أما التيار التوفيقي فقد نادى بضرورة التوفيق بين الفكر الغربي و الموروث العربي لضمان التحديث والسير بالفكر العربي في مسار التقدم و العلمية، وقد انقسمت الساحة النقدية والفكرية إلى:
تيار علمي علماني وتيار سلفي، يتجاذبان العقل العربي و يحاولان صياغة الخطاب الفكري العام صياغة إيديولوجية في أغلب الأحيان، فالتيار العلماني يدعو إلى اعتناق الفكر الغربي و نبذ التراث الذي أصبح في نظرهم قاصرا عن احتواء الإشكاليات الفكرية الراهنة، أما التيار الإصلاحي فقد رأى في التراث العربي ضالته، لأنه يحمل من الفكر الحداثي العربي ما يماثل الفكر الغربي، لذلك دعو إلى تبنيه. ومن هذا المنطلق عرفت الثقافة العربية الحديثة مجموعة من المفكرين و النقاد الذين حاولوا بلورة الخطاب الثقافي العام من منطق فكري و منهجي، حيث شكل التراث القاسم المعرفي المشترك بينهم.
وقد تعددت آراؤهم واختلفت مناهجهم، فمنهم من درس التراث من منطلق عقلاني، محاولا تغيير نمطية الدراسات الفكرية وإخراج الإرث الثقافي من دائرة الاستهلاك والاجترارية، ويعتبر محمد عابد الجابري من أهم المفكرين الذين نادوا بهذه الفكرة، كما نادى آخرون بضرورة التخلص من الفكر الاستشراقي و إعادة صياغة الموقف الفكري الراهن انطلاقا من إعادة استيعاب الذات العربية و جعلها المدار الأساس في الدراسة، و قد حمل محمد أركون لواء هذه الفكرة،أما نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي فقد حاولا إعادة تأويل النص الديني، و الخطاب الديني من منطلق تاريخي، و على أسس مختلفة.
أما النقاد فقد اختلفت مناهجهم و تنوعت، فمنهم من نادى بالخرق و رأى فيه معيارا نقديا، يبرز الجوانب الحداثية في التراث العربي و يعتبر أدونيس من أهم ممثليه، أما بالنسبة لعبد الله الغذامي فقد رأى بأن التراث تتحكم فيه مجموعة من الأنساق الثاوية بين أرجاء نصوصه الإبداعية و التي تمارس إشعاعها الجمالي و الفني، على النص و على متلقيه لذلك يدعو إلى اكتشافها من خلال آلية النقد الثقافي،أما عبد العزيز حمودة فهو يرى بأن التراث زاخر بمختلف الإشارات التي تصلح أن تكون مبادئ لنظرية عربية أصيلة.
ولكن مهما اختلفت الرؤى والإجراءات المنهجية المتبعة من ناقد إلى آخر ومن مفكر إلى آخر، فإن هؤلاء جميعهم حاولوا إثراء الموقف الثقافي العام، وانتشال الفكر العربي من براثن الجمود والتبعية
-1التراث في كتابات محمد عابد الجابري:
النظرة العقلانية للتراث:
ينطلق الجابري في مشروعه الفكري من نقد مقومات العقل العربي ومرتكزا ته المعرفية،متجاوزا بذلك فكر المصلحين النهضويين لتأسيس وعي نقدي قائم على الديمقراطية والليبرالية والحداثة، محاولا بذلك إرساء دعائم الفكر التراثي الأكثر نضجا وعلمية،وإعادة قراءته من منطلق حداثي، مستثمرا بذلك المناهج الغربية لدراسته.
ويرى الجابري أن التراث يتطلب قراءة نقدية جديدة و جدية، تسعى إلى الكشف عن مكامن قصوره ومحاولة تخطيها، وذلك بالاستفادة من المواقف التراثية التي شهد لها بالعلمية والتفوق و القدرة على التحقق في الواقع الفكري الراهن،من خلال إعادة صياغتها من جديد.
¥