تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عاشرا: إن البنية الشعرية _والكلام دائما لـ، لوتمان_ تمثل آلية فنية شديدة المرونة والتعقيد معا، وإمكاناتها المتنوعة في حمل المعلومة ونقلها، تبلغ من التكثيف والاكتمال حدا، لا يمكن أن يقارن به في هذا المقام، أي إبداع آخر، تصنعه يد الإنسان. والنص الشعري، آلية جدلية عميقة ذات قوة طاغية للبحث عن الحقيقة، وتأويل العالم المحيط، ومحاولة التغلغل إلى داخله. ويختتم لوتمان قائلا: الفن ينفث الحرية في الأكوان، ويهز أحادية المعنى.

سيميائية الثقافة .. شعرية السينما

يرى يوري لوتمان، وبوريس أوسبنسكي أن ثمة لأية ثقافة، سمات نوعية، وأن الثقافة ليست نظاما عالميا على الإطلاق، بل هي نظام فرعي، يتشكل طبق نمط خاص، فهي لا تنظم كل شيء، وإنما تصوغ ميدان نشاط موسوما بخاصيات مميزة، وهي دائرة جزئية، أو مجال مقفل في مواجهة المجال الثاني، مجال اللاثقافة. أما الأمر المشترك الثاني بين مفاهيم الثقافة، فهو أن الثقافة في مقابل اللاثقافة، تبدو نظاما من العلامات، فهي نتاج الإنسان في مقابل الوجود الطبيعي، وهي نتاج أصول متفق عليها في مقابل النتاج التلقائي، أو غير المتعارف عليه، وهي القدرة على تكثيف الخبرة الإنسانية في مقابل الخاصية البدائية للطبيعة. أما الظواهر الثقافية، فهي أنظمة ثانوية مشكلة، وفق نماذج، وهو ما يوحي بطبيعتها الاشتقاقية في علاقتها باللغة الطبيعية.

أولا: يقول يوري لوتمان في مقالته «سيميائية السينما»، بأن الثقافة البشرية، تتحدث بلغات مختلفة. وتتجلى هذه اللغات في شكلين: صوتي وبصري. واللغة، نظام من العلامات المنتظمة، تقوم بوظيفة اتصالية (نقل المعلومات). أما الإشارة إلى العلامة في اللغة، فهي تؤدي إلى تعريفها، بأنها، نظام سيميائي. ولكي تقوم اللغة بوظيفتها الاتصالية، يتحتم أن يكون لها نظام من العلامات، جاهز للاستخدام. والعلامة، هي البديل التعبيري المادي للأشياء والظواهر والمفاهيم التي يستخدمها مجتمع ما في عملية تبادل المعلومات، فالسمة الأساسية للعلامة، هي قدرتها على القيام بوظيفة البديل. كما أن العلامات ليس لها وجود منفصل مستقل، بل هي توجد داخل أنظمة عضوية. وتقوم اللغة، إضافة إلى التنظيم الدلالي، بدور التنظيم التركيبي. وهذا التنظيم، يتضمن قواعد ربط العلامات المستقلة في ترتيب (جمل)، وذلك طبقا لمعايير اللغة المعطاة. وتنقسم العلامات إلى مجموعتين:

العلامات الاتفاقية الاصطلاحية: هي العلامات التي لا تقوم علاقة التعبير بالمضمون فيها على أساس محدد داخليا: فالضوء الأخضر يدل على حرية الحركة، وعلى أن الضوء الأحمر يمنعها. وكان يمكن الاتفاق على عكس ذلك.

العلامة التصويرية البصرية] الأيقونية [: تقوم على أساس أن للمعنى، تعبيرا جوهريا طبيعيا متميزا، مثل: الصورة. وعلى طول التاريخ البشري، هناك نوعان، هما: الكلمة والصورة. وتتسم العلامات الأيقونية، بقابليتها للفهم، وهي طبيعية. أما العلامات الاتفاقية، فهي تستخدم رسالة ذات نظام شفري. لهذا تتناقض العلامتان وتتعارضان.

ويشير لوتمان إلى أن درجة اتفاقية العلامة الأيقونية، تتضح عندما نتذكر سهولة قراءتها، وأن هذه السهولة ترتبط بمنطقة ثقافية معينة، وهي لا تفهم خارج حدود المنطقة الزمانية والمكانية. ونحن ندرك العلامات الأيقونية على أساس أنها:] علامات أقل درجة من الكلمات [. أما العلامات الاتفاقية، فهي تمتلك قدرة على السرد، وعلى خلق نصوص سردية، أما الأيقونية فلا تقوم إلا بوظيفة التسمية. وعلى أساس نوعي العلامات، تتطور نوعيتان من الفن، هما: الفنون البصرية، والفنون القولية. ونحن نلاحظ -كما يضيف لوتمان- أن الفنون القولية (الشعر _ النثر القصصي)، تحاول أن تصنع من العلامات الاتفاقية المادية، نصا، تبرز طبيعتها الأيقونية. ويبدع الشاعر من العلامات المادية الاتفاقية، نصا، هو بذاته علامة أيقونية، والعكس صحيح، أي يمكن أن نسرد من خلال الصور.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير