تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويرى بأن هذه الإمكانية لا تتحقق إلا من خلال تطبيق بعض المناهج الغربية باعتبارها أدوات منهجية علمية تساعده على كشف أغوار التراث، " لذلك استحضر أطرا مرجعية مختلفة، من الديكارتية إلى فلسفة الأنوار التي تظهر جليا في تركيزه على فكرة التقدم والعقلانية، كما نلمس حضورا متميزا لفلسفة فوكو M .Faucoult و التو سير L.Athusser و غراميشي A Gramissi و الماركسية في صورتها النقدية و ليس في شكلها العقائدي" 1.

وهو بذلك يقول بفكرة عالمية الثقافة، وإن الفكر الغربي بحداثته ما هو إلا جزء من المورث الحضاري الإنساني، حيث يستطيع الناقد العربي استثماره بما يخدم رؤاه وخلفياته المعرفية،،وبذلك فإن هذا المفكر يدعو إلى تطويع المناهج الغربية،وإعادة صياغة بعض أسسها بما يخدم خصوصية النص التراثي،انطلاقا من فكرة قابلية المنهج للتغيير، ولا يعني هذا اجتثاث المنهج الغربي من سياقاته المعرفية وإنما هي دعوة علمية رصينة تحاول تأطير المناهج الغربية ضمن فضاء فكري و ثقافي عربي، من خلال إعادة البلورة المنهجية العلمية الدقيقة، فهو بهذا يضع الحداثة الغربية في، " سياقها التاريخي و ملابساتها السوسيوثقافية،ومن خلال هذه الرؤية النقدية المتبصرة، يحاول استثمار انجازاتها المعرفية و المادية بما يتماشى وخصوصية الواقع العربي"2.

فالتراث في فكر الجابري قد شكل القاعدة الأساس التي من خلالها نستطيع تغيير الموقف الفكري الراهن، لذلك يطرح هذا المفكر العقلانية كرهان نقدي و فكري، يساعد على تأصيل حداثة فكرية، بدل حداثة عصر النهضة العربية المستلبة التي زادت من تعميق هوة الاغتراب الذاتي للمفكر العربي، و ضياعه ضمن قطبين متعاكسين، إما الانبهار بالفكر الغربي و رفض الموروث بصفة مطلقة، أو الارتماء في محراب الماضي و تقديسه و رفض الفكر الغربي رفضا مطلقا، وقد أدى هذا التشتت في المواقف حسب الجابري، إلى افتقار الساحة الفكرية لمنهج علمي دقيق، يساعد الباحث على رصد الظواهر الفكرية بطريقة علمية دقيقة واعية حيث يقول: "إنه بدون التعامل العقلاني مع تراثنا لن نتمكن قط من تعميم الممارسة العقلانية على أوسع قطاعات العقل العربي المعاصر، القطاع الذي ينعت بالأصول حينا و السلفي حينا آخر، كما انه يبدو بدون هذه الممارسة العقلانية على معطيات تراثنا، لن يكون في إمكاننا قط، تأصيل العطاءات الفكرية التي يقدمها أو بالإمكان أن يقدمها قطاع آخر من فكرنا العربي المعاصر." 3

فتغيير مكونات فهمنا للخطاب الديني،حسب الجابري يفرض علينا تحريره من سلطة الإديولوجيا السياسية،التي كانت توجهه و تفرض عليه دعمها،ومن هنا تحددت فاعلية العقل العربي في إنتاج وعيها بما يخدم الساسة و أفكارهم،وبالتالي تأطير جميع العلوم العربية بسياج سياسي، أدى إلى تحويل مبدأ الفاعلية إلى مفعولية سالبة، حجرت العقل العربي وحجزته ضمن منظور إيديولوجي مغلق لذلك فإن رهان العقلانية الذي طرحه بديلا يساعد حتما على ترميم تلك الفجوة الإبستيمولوجية العميقة التي خرفت العقل العربي جراء تحكم السياسة في مجاله المعرفي، " لقد كانت المواقف السياسية وهي جزئية بطبيعتها يبحث لها عن سند من الدين وكان ذلك أولى الخطوات التنظيرية التي أسست ما سيطلق عليه فيما بعد اسم علم الكلام، إذن فعلم الكلام في حقيقته التاريخية لم يكن مجرد الكلام في العقيدة بل كان ممارسة للسياسة في الدين، وعندما اتجهت المعارضة ثم من بعدها الدولة على الموروث كان هدفها هو توظيفه في نفس الممارسة السياسية في الدين " 4.

وحتى نجتاز تلك الحواجز الإيديولوجية التي صنعها المتقدمون يجب علينا أن لا نقيد أنفسنا بقضايا التراث الماضية دون تعديل ولا نقد، لأن الساحة النقدية والفكرية لطالما أعادت قضايا تراثية واهتمت بجردها واستهلاكها كما هي، وبالتالي شغل العقل العربي? المعاصر نفسه بإشكاليات التراث القديم وهمومه الماضية دون أن يشارك في حل أزماته "إن الساحة الثقافية العربية الراهنة التي يتكون فيها العقل العربي المعاصر ساحة غريبة حقا إن القضايا الفكرية السياسية الفلسفية والدينية التي تطرح فيها الاستهلاك والنقاش قضايا غير معاصرة لنا، إنها قضايا الماضي تجتر اجترارا من طرف قسم كبير من الفقهاء والعلماء والأدباء أولئك الذين يعيشون مغتربين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير