بعقولهم عن الماضي محكومين بكل سلطاته الظاهرة منها والخفية السياسية والإيديولوجية " 5.
وانطلاقا من هذه الفكرة فإن التراث في بعده المعرفي، أصبح يشكل حلقة إيديولوجية ضخمة أعاقتنا عن استيعاب واقعنا وماضينا بالطريقة الصحيحة، لذلك يدعو إلى قراءته قراءة عقلانية تساعده على التبلور فكرا وإرثا ثقافيا له وزنه في حاضرنا بعيدا كل البعد عن التعصب ولأدلجة.
و نجده يصر على إعادة فهم ابن حزم والشاطبي اللذين أسسا بحق وعيا علميا جديدا بالنص القرآني وعلم أصول الفقه إذ أخرجاه من دائرة المتعارف والمألوف وصبغاه بصبغة عقلانية ترمي إلى إعادة تفعيل الفكر العربي الذي اختصر في مجال توليد النصوص وتفسيرها.
فإبن حزم من خلال منهجه الظاهري حاول أن يقطع الحبل السري مع مجمل الثقافة السائدة، حيث دعا إلى التنصل من سلطة السلف أي التخلي عن التقليد وسلطة القياس التي تعتبر أهم مكونات الفكر العربي. فالقياس أدى إلى الابتعاد عن الأصول وتشعب النزاعات والخلافات حول القضايا والأمور الدينية لأن أهل القياس"جميعهم مختلفون في قياساتهم،لاتكاد توجد مسألة إلا توجد طائفة منهم تأتي بقياس تدعي صحته وتعارض بت قياس أخرى وكلهم مقرون مجمعون على أنه ليس كل قياس صحيحا ولا كل رأي حقا "6
فالجابري يرى أن ابن حزم استطاع أن يعقلن فهمنا للدين،حيث استوعب الخطاب الديني من منطلق منطقي رافضا بذلك فكرة العلة الفقهية التي أحل محلها فكرة العقل التكويني أي" الانتقال من المقدمتين إلى نتيجة تلزم عنهما لزوما ضروريا، أو الانتقال من لازم إلى ملزوم أومن كلي لجزئي إلى غير ذلك من القواعد المنطقية التي يجتهد ابن حزم في تطبيقها بل وفي تبييئتها مع موضوعه، والشيء الأساس الذي استبعده ابن حزم استبعادا تاما هو التعليل الذي يبنى عليه القياس الفقهي" 7.
وانطلاقا من الاتجاه الظاهري الذي سلكه ابن حزم في تعامله مع البيان العربي فإن الجابري يدعو إلى التعامل مع التراث من منطلق عقلاني لأنه المنهج الأنسب الذي من خلاله نستطيع أن نكتشف الدرر الحسان في الفكر العربي التراثي، وأن نطوع هذه الدرر بما يخدم الواقع الراهن.
فتجديد العقل عند الجابري إذن هو ذلك التفاعل بين مرحلتين تاريخيتين على المستوى الفكري، فالتراث هو الوسيلة التي من خلالها نتخطى الأزمة الفكرية الراهنة،لأنه يحمل مكونات العقل العربي و يعتبر نتاجا له فاعلية إيجابية، من خلال إعادة تمثله تمثلا عقلانيا واعيا.
- نصر حامد أبو زيد:
-القراءة التاريخية:
يرفض نصر حامد أبو زيد النظرة السكونية المتوارثة و يدعو إلى صياغة الفكر العربي عامة، انطلاقا من خلخله البنى المعرفية المتأصلة في الثقافة العربية، فهو يحاول بلورة نظرته الشمولية على أساس فكرة البعث، أي انه يحاول أن يصوغ التراث خصوصا الديني صياغة جديدة باستخدام الآليات والمناهج العلمية ـ بطبيعة الحال ـ الغربية،هذه الصياغة إنما كانت مستندة إلى أفكار عصر النهضة الغربي خصوصا فكرة "العلمانية"، و قد تحولت هذه الفكرة عند أبي زيد إلى رغبة جامحة في إلغاء القداسة عن التراث و فصل التراث كمعطى فكري إنساني عن القرآن "و بعبارة أخرى أدى التوحيد بين الدين والتراث إلى إضفاء القداسة على ذلك التراث، وإلى تحويله من مرتبة النصوص الثانوية إلى مرتبة النصوص الأولية واقتصرت مهمة العقل على التكرار والشرح والترتيب، وقد أدى هذا كله إلى ركود الثقافة التي عززت بدورها ركود الواقع العربي المنتج لهذه الثقافة"8.
لذلك نجده يؤكد على التحرر من سلطة السلف الدينية التي تحولت في وقتنا الراهن إلى ايدولوجيا فكرية ودينية ألغت مبدأ العلمية، وفسحت المجال أمام "مبدأ الحاكمية"، الذي أنتج بدوره أنماطا خاصة في التفكير، قولبت الفكر العربي الإسلامي ضمن مجموعة من الآليات التي يعد الخروج عنها ضربا من الإلحاد و الكفر.
وانطلاقا من هذه النقطة فإن أبا زيد يقوم بالتفرقة بين الخطاب الديني والدين باعتباره مجموعة من النصوص التي على ضوئها يفسر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهذه النصوص هي التي تساعد على فهم النص القرآني، أما الدين في نظره فهو عبارة عن نص مقدس ثابت تاريخيا.
¥