: 302/ 8
لقد كان الشيخ عبدالغني ذا اطلاع واسع على الكتب مخطوطها ومطبوعها وخاصة تلك التي لها صلة بالأدب واللغة والنحو والرجال، إنه قارئ من الطراز الأول، لا يكاد يضاهيه في القراءة سوى زميله العلامة الشيخ نايف عباس، يقرأ من بعد صلاة الفجر، حتى قبيل الغروب، يقرأ، ويقرأ، ويقرأ، وينتقد، ويعقب، ويستدرك ويصحح، ويقول عن نفسه: (لا أستسلم لكتاب أو رأي) حتى وصفه شيخ القراء من الشام الشيخ محمد كريم راجح، بالعالم الحر، ونقول فيه ما قاله هو في رثاء شيخه وزميله العلامة الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت: (لقد كان عالماً حقاً، وحسبه من نعوت الكمال أن تكون هذه صفته، وما أندرها فيمن ينتسبون في هذا العصر إلى العلم) تاريخ علماء دمشق: 829/ 2 وكذلك كان الشيخ عبد الغنى فقد كان آية في فهم اللغة العربية، يتكلم فيخرج الحرف من مخرجه، مشتملاً على صفته، كأن جاء من خيام ربيعة ومضر.
وكان فقيهاً حراً، مع أنه شافعي المذهب، ولكنه يكره التعصب للمذهب، والمتعصبين من الفقهاء، يقدم رأيه ولا يفرضه على غيره، يأخذ من الجميع ثم يعود إلى رأيه المصحوب بالدليل الصحيح الثابت من الكتاب والسنة المطهرة.
لقد كان الشيخ عبدالغني ألب لباً، وأوسع ثقافة، وأسرع لقناً، وأحضر بديهة، وأقوم أسلوبا، وأدق بحثاً، من كثير ممن تملأ كتبهم واجهات المكتبات وتسبق ألقابهم أسماءهم، وتعلق النياشين على صدورهم، ولو شاممتهم لرأيتهم في المصلين، وعبد الغني في المجلين، ولكن الأرزاق مقسومة، مالاً، وشهرة، وكتباً، ومناصب.
صفاته:
كان ربعة بين رجال ممتلئ الجسم، أبيض أشقر، مع حمرة حلوة تشوب بياض خديه، أزرق العينين الحالمتين، أنيقاً في لباسه وهندامه، تعلو هامته عمامة مطرزة كعمامتي أبيه وأخيه الكبير الشيخ أحمد، وهي عمامة التجار التي تكون على طربوش أحمر، تمييزاً لصحابها من عمامة العلماء التي هي من شاش أبيض على طربوش أحمر.
وكان ظريفاً، صاحب نكتة، ضحكه ابتسام، فيه كثير من الاحتشام، وقد تفرض النكتة الباهرة ضحكة فيضحك حتى لتكاد عمامته تقع عن رأسه المزين بشعر أشقر، ويصير وجهه كقرص الشهد، بل ربما احلولى فكان أحلى وأحلى.
وكان لطيفاً دمثاً، متواضعاً مع سائر الناس، ومعنا – نحن طلابه وتلاميذه – تراه يجلس في (دار القلم) بدمشق على كرسي صغير من القش، يشرب الشاي مع أبناء صاحب الدار، وكانوا فتية صغاراً يمازحهم وينصحهم، وكان قليل الكلام، عفيف اللسان، يأمر أصدقاءه وتلاميذه وإخوانه بعفة اللسان، ويشتد على بعضهم ممن عرف بسلاطة اللسان، وتجريح الأشخاص والهيئات، وكان يكره التدخين، ويتناءى عن المدخنين، وينصحهم بالإقلاع عنه، ولقد شهدته أكثر من مرة، مع أستاذين كريمين لي ينصحهما، ويشتد عليهما في النصح، من أجل ترك التدخين، ومن أجل بذاءة اللسان.
وكان كريماً، محباً للناس، عطوفاً على الفقراء والمساكين، وعلى الأرامل والأيتام، وقد استأثر حب النبي الكريم بمجامع قلبه، وكثيراً ما رآه في رؤاه، وعندما زار قبره الشريف، فاضت عيناه بالدموع الغزار، وارتج عليه، فصار يتمتم وهو الكليم.
كان طلق المحيا واللسان، دؤوباً على طلب العلم، صابراً على استنباط الأحكام، وفهم ما يشكل على العلماء من أمثاله، متسامحاً مع المخالفين له في الرأي، ويتمتع بأسلوب تحليلي قائم على البرهان والدليل، وكان الكتاب جليسه وأنيسه حتى وفاته، وكان بعيداً عن الأضواء، يؤثر عليها كتابه وأصدقاءه وتلاميذه وبيته، وكان يجيد السباحة والرماية، وركوب الخيل، ويحب الصيد.
الكاتب والمؤلف:
مؤلفات الشيخ عبدالغني الدقر:
· مختصر تفسير الخازن، المسمى: لباب التأويل في معاني التنزيل: وهو كتاب كبير، اختصره الشيخ في ثلاثة مجلدات كبيرة، من المقطع الكبير، وجاءت في 1725صفحة.
· الإمام الشافعي: فقيه السنة الأكبر، وهو الكتاب الثاني في سلسلة (أعلام المسلمين) التي تصدر عن دار القلم بدمشق، صدر عام 1392هـ - 1972م في أربع مئة صفحة من القطع العادي.
· الإمام النووي شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمحدثين، صدر هذا الكتاب القيم عام 1395هـ - 1975م عن دار القلم بدمشق، في 215 صفحة من القطع العادي.
¥