تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الألفاظ (إقبال ـ إدبار ـ (من) الاسم الموصول) حينما يخبر بها عن اسم معين فكأن ذلك الاسم المخبَر عنه قد تمثلت فيه كل الصفات الموجودة في هذه اللفظة.

فعندما يقول: "ولكنّ البِرّ مَن اتّقى" كأن هذا المتقي صار هو البر بعينه. فالبِر الحقيقي هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البر هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات، وفي البيت كأن الناقة تحولت إلى إقبال وإدبار، فكل صفات الإقبال والإدبار اتصفت بها ووجدت فيها.

ولو عدنا إلى الآية لتوقفنا فيها أكثر من وقفة

ـ هدف الآية

ـ الإفراد في الصفات ثم الجمع

ـ نصب الصابرين

ـ الرق والإسلام

ـ توجيه رباني من الآية الثانية

أصل الكلام في الآيتين هو قضية أي قبلة أولى بالاتجاه نحوها؟ في أي اتجاه يكون البر؟

والقرآن يريد أن يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أو من غيرهم ما البر الحقيقي؟ فقال: "لَيسَ البرّ أنْ تولوا وُجوهَكم"

نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع بمعنى التحول والتحرك أي تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة تبين لنا أن البر يكون ممثلا كاملا في هذا الإنسان المتصف بهذه الصفات.

وتمضي الآية تعدد صفاته:

ـ الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد

ـ ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة

ـ والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي جنس الكتاب.

ـ والنبيين: استعمل النبيين دون المرسلين لأن النبوة أوسع من الرسالة، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، فانتقى اللفظ العام

ـ ثم انتقل إلى المعاملات: "وآتى المال على حبه"

ـ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض.

ـ وبين الفئات التي يصلها العطاء وتستحقه، فبدأ بذوي القربى من باب حرصه على الأرحام، وثنى باليتامى ثم بالمساكين، وهؤلاء ـ أي المساكين ـ يحتاج المرء إلى البحث عنهم ليعرفهم، وهذا من التوجيهات الاجتماعية القرآنية في الرعاية المالية، ثم ذكر ابن السبيل ليطمئن المسلم على نفسه أنى كان، فهو لا يخاف في غيابه أو سفره فإذا انقطع به المال فإن له حقا في هذا المال، وذكر السائلين (من سأل بالله فأعطوه) فلا يبحث المرء أمحتاج هذا السائل أم لا؟ ما دام يسأل فعلي أن أعطي إن كنت قادرا، والسائلون ليسوا هم الفئة المذكورة سابقا باسم المساكين.

ـ ثم ختم بالرقاب، وهذه الكلمة يثيرها بعض من لم يطلعوا على حقيقة الإسلام شبهةً ضده فيقولون: إن الإسلام يقر الرق ويدعو إلى العبودية. والحقيقة هي أن الإسلام لما أطلت شمسه على الدنيا كان فيها نظام عالمي للرقلم يبتدعه الإسلام، بل شبه بعض الكتاب هذا النظام بحوض مليء بالماء تصب فيه مصادر مياه كثيرة، فهو دوما ممتلئ ويفيض، وليس هناك تصريف له إلا من منفذ واحد صغير هو الموت، فالعبد لا يخرجه من رقه إلا الموت، فجاء الإسلام فأغلق المنافذ كلهاـ منافذ الرق ـ وأبقى منفذا واحدا في المقابلة بالمثل وهو (رقيق الحرب) أي أبقى مصدرا واحدا من عشرات المصادر، ثم هو قد فتح في داخل الحوض فتحات كثيرة للتصريف وإخراج العبد من حالة عبوديته بالصدقات والكفارات والترغيب في العتق، وفتح فتحة كبيرة جدا وهي (المكاتبة) فيحق لكل فرد من الرقيق أن يذهب إلى القاضي ويطلب مكاتبة سيده، فيرغمه القاضي على المكاتبة إلى أن يتخلص العبد من الرق.

فهذا إذن هو مصرف واحد من مصارف الإنفاق الطوعي (وفي الرقاب).

ـ "وأقام الصلاة" فانقل بعد ذلك إلى تهذيب النفس وصلتها بالله

ـ "وآتى الزكاة" وهذا تأكيد على أن الإنفاق المالي المتقدم ليس من الفرض والزكاة، فالزكاة مال تجمعه الدولة وتتولى إنفاقه في مصارفه، أما المذكور سابقا فإنفاق شخصي يختلف عن هذا. وفي أيامنا تركت دول كثيرة جمع الزكاة إلى الناس أنفسهم وهذا امتحان لهم.

ثم نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم إلى الآن فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى ـ والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة)

ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأن (من) تجمع الاثنين الإفراد والجمع

ففي العمل الجماعي ذكر الوفاء بالعهد، ويجوز أن نقول (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يفون بعهدهم) لأنها تصدق على الواحد والكثرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير