وقد ساهم مساهمة فعالة في أعمال لجنة الأصول ولجنة اللهجات، ولجنة المعجم الكبير وغيرها، وكتب بحوثًا راقية ودراسات بالغة الأهمية في مجلة المجمع، ثم عُهد إليه بالإشراف على المجلة منذ العدد الثاني والعشرين، الصادر في سنة (1387 هـ = 1967م)، خلفًا للأستاذ "زكي المهندس" عضو المجمع البارز.
وتجدر الإشارة أن الأستاذ زكي هو خال الدكتور إبراهيم أنيس، وكان من المربين الكبار، وتولَّى عمادة دار العلوم العليا، واختير عضوا بالمجمع سنة (1366 هـ = 1946م).
نتاجه العلمي
درس إبراهيم أنيس علوم اللغة العربية على شيوخ دار العلوم وأعلامها، وكانوا من ذوي العلم والإتقان، فتمرس بالعربية وتزود من معينها الصافي- تساعده سليقة فطرية وشغف بلغة العرب- ثم درس في لندن؛ حيث رأى مناهج جديدة، وقرأ بحوثًا لعلماء في لغاتهم القديمة والحديثة، واطلع على محاولاتهم في تفسير الظواهر اللغوية على هُدىً من نظائرها في اللغات المختلفة، فأضاف ذلك علمًا إلى علمه، وأنضجت هذه الدراسات تفكيره وأثْرَت منهجه، دون أن تطغى هذه المناهج الجديدة على عقله أو تجعله ينقل حاكيًا مرددا دون فهم وبصيرة، وإنما كان يأخذ ويختار عن بينة واقتناع.
ودارت بحوثه حول الأصوات اللغوية، واللهجات العربية، ودلالات الألفاظ، وموسيقى الشعر، إلى جانب طائفة من قضايا النحو والصرف رآها مجالا للنظر والتأمل، وفي كل ما يكتب كان يلجأ في مواقف الاحتجاج وإصدار الأحكام إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم والكلام المأثور من منظوم ومنثور وكلام العلماء.
وكان يؤمن أن الحواجز التقليدية بين فروع المعرفة المختلفة ليست إلا حواجز وهمية في كثير من الأحيان، وأن العالم الحق لا يستطيع أن يغفل عن الاستفادة من إمكانات الفروع المختلفة؛ ولذلك كان يهتم بالرياضيات والإحصاء، ويحرص على الاستفادة منذ وقت مبكر من إمكانات الحاسب الآلي (الكمبيوتر) في بحوثه اللغوية، ويكلف طلابه بعمل إحصاءات من القرآن الكريم ومن معجمات اللغة.
وتناول الدكتور إبراهيم أنيس "اللهجات العربية"، فبحث حال العربية قبل الإسلام، وواقع اللهجات فيها، ودرس ما بينها وبين القراءات القرآنية من صلات، وعرض أهم قضاياها في بنيتها ودلالتها وما بينها من اتفاق واختلاف، ثم انتهى إلى أن العناصر المشتركة في اللهجات العربية الحديثة تنتمي إلى لهجات عربية قديمة.
واشتغل بدراسة الأصوات اللغوية، ومقاييس تصنيفها ومنهج القدماء فيها، وكذلك موسيقى الكلام، وتكَوُّن الأصوات عند الأطفال والكبار.
وكان أنيس أول من دعا إلى إيجاد نطق نموذجي يُنشر في جميع البلاد العربية، وقد وضع لمشروعه هذا خطة مفصلة تشمل: إعداد المدرسين، واستغلال الإذاعة، وتوجيه السينما والمسرح، والاستعانة بالسلطة التشريعية؛ للقضاء على سلطان اللهجات المحلية، فلا تستعمل في المدارس والإذاعة ودور المسرح والسينما، وكانت صيحته هذه غِيرةً على اللغة العربية.
ودرس دلالة الألفاظ وأنواعها، وبيَّن كيف تكون الدلالة عند الأطفال وعند الكبار، وكيف تتطور مع الزمن، وتطرَّق إلى أثر الدلالة في الترجمة.
وقد تضمنت مؤلفات إبراهيم أنيس هذه القضايا وغيرها، ومن مؤلفاته:
"الأصوات اللغوية"، و"من أسرار اللغة العربية"، و"موسيقى الشعر"، و"في اللهجات العربية"، و"دلالة الألفاظ"، الذي نال عنه جائرة الدولة التشجيعية سنة (1378هـ = 1958م)، وكتاب "اللغة بين القومية والعالمية".
وفاته
ظل إبراهيم أنيس مُكبًّا على عمله، مخلصًا له، لا يشغله عن بحوثه وكتبه شاغل مهما كثرت المغريات من المال والجاه، حتى لبى نداء ربه إثر حادث أليم في (20 من جمادى الآخرة 1397 هـ = 8 من يونيو 1977م).
مصادر الدراسة:
محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عامًا- الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية- القاهرة (1406 هـ = 1986م).
محمد خير رمضان: تتمة الأعلام للزركلي- دار ابن حزم- بيروت (1418 هـ = 1998م).
علي النجدي ناصف: الدكتور إبراهيم أنيس- مجلة مجمع اللغة العربية- القاهرة- الجزء (40) (1397 هـ = 1977م).
محمد عبد الجواد: تقويم دار العلوم- القاهرة (1952م).
منقول من موقع: إسلام أون لاين
ـ[أبو طارق]ــــــــ[26 - 09 - 2009, 09:24 م]ـ
¥