الشيخ مع كبر سنه، إلا أنّه قليل الحركة، بسبب اعتكافه في خزانته، وقد تعب في آخر حياته جدًا، وتوالت عليه الأمراض بسبب الشيخوخة، وفي صباح يوم السبت الموافق 21/ 2/1423هـ طلب من خادمه مساعدته للوضوء، وقد أحس ببطء في حركته، وبعد عودته إلى فراشه، شعر بأن قدميه توقفتا عن الحركة، بعدها لفظ أنفاسه الأخيرة، قابضا بأصابع كلتا يديه مشيرا بالسبابة، على الهيئة المعروفة عند ذكر الحي الذي لا يموت سبحانه!
عندها اتصل الخادم بأخي الاستاذ علي الشمراني، والذي أحضر الطبيب، فأخبرهم بوفاة الشيخ رحمه الله.
وقد صلي عليه فجر يوم الأحد، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة.
وهكذا سقطت السارية العتيقة، والتي كبرت وارتفعت حتى أدركت أكثر من عصر.
و «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا عليك يا أبا تراب لمحزونون»، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحي الذي لا يموت.
ملامح من سيرته:
_ كان رحمه الله محبًا للمجالسات والمذاكرات العلمية، وهذا أهم ما يميزه.
_ كثير القراءة، ومتابع لأخبار الكتب، وكان كثيرًا ما يتصل بي في «الرياض» ليسألني عن الجديد، فأشتريه له.
_ إذا غضب، فانه سرعان ما ينسى ويتسامح.
_ يحب سماع الفوائد العلمية، ولو ممن هم أصغر منه سنا، وأقل منه علما.
_ محب لطلاب العلم.
_ كريم جدًا، ولا يرد لأحد طلبا.
_ محب للمزاح والضحك، وقد سمعت منه قصصا طريفة وغريبة من أخبار المحدثين، أو من نوادر الفقهاء، أو من بلاهات المخرفين، وعندي من ذلك طرائف وغرائب.
_ كان يحب البسطون (العكاز)، ويعدد في أشكاله وألوانه وجمع منه عددًا.
_ كان له ثلاثة من الرفقة في آخر حياته، لا يملهم ولا يملونه، وهم: أخي الأستاذ علي بن محمد الشمراني موظف رسمي، والسيد أحمد بن عمر البيتي رجل أعمال، والكابتن الطيار عمر بن محمد البيتي في الخطوط السعودية، وكان الأول يساعده بإنجاز أعماله ومراجعاته، أما الثاني فكان يرافقه في سفراته العلاجية، مرافقا ومترجما.
ومن رفقائه القدماء والدنا الأستاذ: عبد الله بن عمر خياط الكاتب المشهور، وصاحب «مطابع سحر»، وكان كثير الثناء على معالي الأستاذ: مصطفى إدريس الذي وقف معه في بعض أزماته الدنيوية.
_ الجدير بالذكر أنّ «أبا تراب» ابن المحدث السلفي الكبير: عبد الحق الهاشمي المكي «1302 1394هـ»، صاحب المصنفات العديدة في التفسير، والحديث، والفقه، ورأيت جلها بخطه في مكتبة ابنه، منها:
-ثبت بمروياته كبير، وصغير.
_وإقامة الدليل على أنّ اختلاف الأئمة في التحريم والتحليل لا يوجب التضليل.
_ والتعليق الربيح على أبواب الجامع الصحيح.
_ وتفسير القرآن والسنة.
_ والحجر البقي لكسر الجوهر النقي.
_ وخروج المكي إلى الحرم.
_ ورجال الموطأ والصحيحين.
_ وشرح صحيح البخاري.
_ وفتح العلي الخبير في شرح المسند الحنبلي الكبير.
_ وفهارس مسند الإمام أحمد.
_ وقمر الأقمار بما في البخاري من الأحاديث والآثار.
_ولب الألباب في تحرير التراجم والأبواب «على أبواب صحيح البخاري».
_ والمسند على الصحيحين.
_ ومصنف الصحيحين.
_ووضع اليد بعد الركوع.
انتهى كلام الأستاذ الشمراني.
قلتُ: وقد قرأتُ للأستاذ علوي طه الصافي ما أسماه: (أوجه الشبه بين أبي تراب وسيبويه)، وعدّد خمسة أوجه هي:
1_ إن الشيخ (أبو تراب الظاهري) ولد بالهند لكنه ترعرع وعاش ودرس في المملكة العربية السعودية ومات فيها وسيبويه أصله من «البيضاء» من أرض فارس، لكنه ترعرع ونشأ ودرس في «البصرة» بالعراق ومات فيها.
2_ أبو تراب الظاهري وهذه كنيته .. أما اسمه الحقيقي فهو (علي بن محمد عبدالحق الهاشمي وسيبويه هذا كنيته أما اسمه الحقيقي فهو (عمر بن عثمان بن قنبر) ومعنى اسم سيبويه: «رائحة التفاح».
3_ خاض الشيخ أبو تراب الظاهري أكثر من معركة أدبية ولغوية بمفهوم هذا العصر .. وهي صور مما كان يسمى في الماضي «المناظرات» إذ تتم «المعارك الأدبية واللغوية» المعاصرة على صفحات الجرائد بينما تتم «المناظرات» سابقاً مشافهة وأمام ملأ من العلماء والمتأدبين ومن أشهر معارك الشيخ الظاهري أو مناظرته تلك التي تمت بينه وبين العالم اللغوي السعودي الكبير الاستاذ الراحل (أحمد عبدالغفور عطّار) رحمه الله.
أما سيبويه فله مناظرات مع عدد من علماء «النحو» الذي كان مبرزاً فيه، حيث يعد كتابه «أصل النحو» أهم مؤلفاته وقد اعتمد عليه نحاة المدارس جميعاً وألفوا حوله الشروح والملخصات والتكملات والتعليقات ولا يزال محتفظاً بمكانته إلى اليوم ومن أشهر مناظراته مع «الكسائي» إمام نحاة الكوفة.
4_ اكتسب الشيخ الظاهري بحكم ولادته في الهند، والحياة فيها خلال مرحلة التأثر واكتساب اللغة «لكنة» في لسانه ظلت تلازمه طوال حياته، وسيبويه أيضاً بحكم ولادته ونشأته المبكرة في فارس كانت في لسانه «لكنة» لازمته طوال حياته رغم الفترة الزمنية الطويلة التي عاشها في العراق.
5_ الشيخ أبو تراب الظاهري كانت له مكانته العلمية والاجتماعية وحين يرتاد مجلسا من المجالس يقابل بالحفاوة والتكريم والتقدير ويفسح له صدر المجلس ويتحول إلى قطب ومحور حديث المجلس الذي لا يمل بما يرويه من مخزونه العلمي والثقافي والأدبي أما سيبويه فقد حدث ابن النطاح قال: كنتُ عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال الخليل مرحباً بزائر لا يمل.
سادساً: كان الشيخ (أبو تراب الظاهري) يتميز بذاكرة قوية في حفظ ما يقرأ ولهذا كان يحفظ خمسين ألف حديث، وعشرة آلاف بيت من الشعر العربي، ويروى عن سيبويه أنه ألف كتاباً في ألف ورقة سمعها من علم الخليل.
ا. هـ
مصدر ترجمة الأستاذ الشمراني، وبه تعليقات مهمة. ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6312&highlight)