تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" كانت تُعقَد في بيت سيدي الوالد رحمه الله (ت 1976م) من بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع حتى صلاة العصر، وكان أركان هذه الجلسات الفتية الدائمون الأساتذة الأجلاء: عز الدين علم الدين التنوخي (ت: 1966م) والشيخ علي الطنطاوي (ت: 1999م) وشاعر الشام أنور العطار (ت: 1972م) وأستاذنا الأفغاني (ت: 1997م) رحمهم الله جميعاً. كانوا يؤدون صلاة الجمعة في جامع كريم الدين الشهير بالدقاق، وكان والدي مدرّساً فيه وخطيب الجمعة على منبره مدةً تزيد على ستين عاماً، فإذا قُضِيت الصلاة شرّفوا دارنا، وتناولوا طعام الغداء، ثم تبدأ الجلسة العملية التي كانت روضة من رياض المعرفة. ومن الطريف أنهم كانوا يشترطون أن يكون الطعام لوناً واحداً لا يتغير، وهو) الكوسا المحشوّ) ولطالما سمعت الأستاذ الطنطاوي يردد: لا صلاة إلا في الدقاق، ولا طعام إلا الكوسا ... وكان الطنطاوي بحقٍّ هو المحرك لهذه الجلسات التي استمرت أعواماً؛ وكم يحزّ في النفس الآن أن وسائل التسجيل لم تكن متوافرة عندنا في تلك الأيام. ولو سُجّل ما كان يدور في هذه الاجتماعات لوقفنا على كنوزٍ من العلوم والمعارف. وقد تجاوزت أخبار هذه الجلسات الأسبوعية الحدود، ووصلت إلى أسماع الكثير من أصدقاء الوالد في العالمين العربي والإسلامي، ولذا كان يحضرها علماء كبار ممن يُلمُّون بدمشق، وإنني لأذكر ممن حضر عدداً من هذه الجلسات أميرَ البيان شكيب أرسلان (ت: 1946م)، وعيّن أعيان جدة الشيخ محمد نصيف (ت: 1971م)، والعلامة الجليل أبا الحسن الندوي (ت: 1999م) ونائب رئيس جمعية العلماء الجزائريين ثم رئيسها بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: 1940م) الشيخ البشير الإبراهيمي (ت: 1965م) الذي أقام في دمشق فترة بعد أن نفاه الفرنسيون"

تأثر الشيخ عاصم البيطار بأستاذه سعيد الأفغاني تأثرا كبيرا فكان مثال الطالب الوفي لأستاذه فقد تعلم على يديه أصول النحو والصرف، والبحث والتحقيق يقول عن أستاذه: وكان لأستاذنا الكبير فضل كبير في إعدادنا لنكون مدرّسين، وإن ما أصابه بعضنا من نجاحٍ مرموق في أداء رسالته، يعود في كثير من جوانبه إلى العلامة الأفغاني، فقد كان يطلب إلينا أن نهيّئ بعض الأبحاث من المقرر، وأن نلقيها على زملائنا، وكان صارماً في تقويم الاعوجاج، وإحصاء الأخطاء في اللغة وإعداد الخطة وعرض الشواهد ومناقشتها، إلى أن نصل إلى استنتاج القاعدة التي تنتظم ذلك كله، وتبقى الزاد الذي يساعد على السير قدماً في طريق الفهم والإفهام. إلا أنه يذكر حادثة طريفة معه جعلت من الأستاذ البيبطار ذا همة عالية لا سيما في النحو: وقد جرت لي معه حادثة طريفة تفصح عن أسلوبه في النظر إلى الأمور والحكم عليها، فقد أنهينا امتحانات السنة الأولى في النحو والصرف، وأُعلنت أسماء الناجحين، وكانت الدرجة العليا (13/ 20)، وقد استحقها ثلاثة من الطلاب كنت واحداً منهم، وقد عجبت لهذه الدرجة، وأعدت النظر في إجاباتي فلم أَرَ فيها من الأخطاء ما يمكن أن يهوي بدرجتي إلى هذا الحد ... ثم دعانا أستاذنا الأفغاني إلى اجتماع نطّلع فيه على أوراقنا، ونتأكد من صحة جمع الدرجات الموزعة على الأسئلة، وتناولت ورقتي وجمعت درجاتها، فإذا هي (16/ 20)، وكنت أعرف في أستاذنا الدقّة المتناهية، فاستعنت برفاقي وطلبت إليهم جمع الدرجات، فأجمعوا على أنها (16/ 20). فذهبت إلى الأستاذ وأنا مطمئن إلى أن الخطأ واضح، وذكرت له الأمر فكان جوابه صريحاً سريعاً: (ما بصير) ثم أخذ الورقة، وقلب صفحاتها، وأطال النظر فيها، ونظر إليّ بعد ذلك وهو يقول: ألم أقل لك؟! .. الجمع صحيح ... فقلت له: لقد قام الطلاب جميعاً بجمع مفردات الدرجات فكانت (16/ 20). فأشار إلى أحد الأسئلة وقال: إنك أخطأت في الإجابة عن هذا السؤال، فقلت: نعم، وقد وضعتَ لهذا السؤال ثلاث درجات، وحرمتني من درجة أخرى لإهمالي كتابة همزة قطع .. فقال بسخرية مُرَّة: الحساب لا يجري هكذا ... لو أخطأ خَطَأَك فلان (طالب ضعيف في النحو) لحرمته درجة السؤال، أما أنت فطالب مجدّ، وأنت ابن الشيخ محمد بهجة البيطار، ولذا ينبغي أن تعامَلَ معاملةً تليق بأمثالك، فتحرم درجة السؤال، وتعاقب بحذف ثلاث درجات أخرى، لأنك أخطأت خطأً لا يقبل منك .... وأدركت أن الاحتجاج غير مفيد، وأن النقاش عقيم ... فعدت إلى مقعدي وأنا أقول: هل هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير