تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معقول؟!!

على أن هذه الحادثة كان لها أثر بعيد في دراستي بعد ذلك، فقد غدوت أكثر أناةً في القراءة والفهم، وأشدَّ حرصاً على التأمّل العميق، والانتباه الشديد لكل سؤال يطرح، وقديماً قالوا: ربّ ضارّة نافعة.

في هذا الجو العلمي الغزير بالعلم والمعرفة نهل الأستاذ عاصم علومه الدينية والعربية والأدبية من أساتذة كرام في جامعة دمشق وفي دار المعلمين إلا أن التأثير الكبير نهله من مجلس أبيه الذي كان حريصا على، ولما تخرج في الجامعة

عمل في التدريس في ثانويات دمشق، ومازال الرعيل الأول من خريجي ثانوية عبد الرحمن الكواكبي في حي الميدان يذكر أستاذه عاصما بالخير والسداد.

تنقل في أكثر من عاصمة عربية مفتشًا ومعلمًا ومحاضرًا وأستاذًا، ففي عام (1959م) عمل مفتشًا للغة العربية في دولة قطر كما عمل أستاذًا للنحو والصرف في كلية اللغة العربية في الرياض (1963ـ1968م) كما درَّس النحو والصرف في قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الملك سعود (1989ـ 1994) بعدها عمل في مجلة الفيصل الثقافية حتى عام (2003م) وحق لنا أن نذكر أستاذنا الجليل بخير، كما ذكر أساتذته من قبل فربما من يظهر من يذكرنا بخير عن شاء الله بعد مماتنا، أقول: عرفت الأستاذ عاصمًا رحمه الله يوم كنت طالبًا في السنة الأولى في كلية اللغة العربية بجامعة دمشق وذلك عام 1979/ 1980م وكنت أسمع عنه من قبل فكما قيل: ليس السامع كالرائي، لقد وجدت فيه علمًا جمًا، ندر من يحمل مثله ولا سيما في مادة النحو والصرف، وبالرغم من أنه لم يحصل على شهادة الدكتوراة أو الماجستير كما هم أكثر أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق إلا أنه كان أستاذهم يرجعون إليه في الملمات والصعاب بشهادة أكثرهم، ورأيت فيه أخلاقًا رفيعة وتواضعًا جمًا. تخرجت في جامعة دمشق وساقتني الأقدار للعمل في الرياض وكنت أعلم أنَّ الأستاذ عاصمًا تعاقد مع جامعة الملك سعود بالرياض عام 1989، كنت ألتقي به كثيرًا وفي كل مرة أخرج من عنده بفائدة ما، أدبية أو صرفية أو نحوية، أو بطرفة يتندر بها، فقد كان رحمه الله يضفي على مجلسه الدعابة ومرح الشباب ولطافة المعشر، لم يتوانَ يوم طلبنا منه أن يحضر دورية أدبية كنا نعقدها كل أسبوعين مرة، ولكنه نصحنا قائلا: إذا أردتم لهذه الدورية أن أحضرها فارفعوا منها التكليف فيكفي الشاي والكعك، وكانت نصيحته سببا في استمرار الجلسات لسنوات عديده، كان الأستاذ البيطار علمها دون منازع نال إعجاب الجميع بعلمه الغزير وبتواضعه الجم.

أذكر أنني زرته يوما فوجدته عكر المزاج فسألته عن السبب فأباح لي: أن ورثة الشيخ محمد بهجة البيطار قد باعوا مكتبته القيمة لإحدى المؤسسات التراثية في الخليج العربي وأخذ يعدد أمهات الكتب التي كانت بها وطبعاتها النادرة و .. و ... كم تحسر يومها على هذه المكتبة التي عرف الدنيا من خلالها، ولكنَّ أسفه أشد ما كان على رسائل الشيخ الوالد التي كان يراسل بها أعيان الأمة من ملوك وعلماء وقال لي: أن هناك عشرات الرسائل النادرة كانت بين الشيخ بهجة والملك عبد العزيز آل سعود يرحمهما الله بيعت ضمن المكتبة وأن الورثة سامحهم الله لا يعرفون قيمتها، كم أتمنى أن أستعيدها ممن اشتراها، حتى لو دفعت له ضعف الثمن الذي قيَّمها

به!! كان غيورًا على لغته العربية مدافعًا عنها أذكر أنه قال لي: بعد وفاة والدي وإكراما له، أطلقت وزارة التربية في سوريا على إحدى ثانويات دمشق اسم الشيخ محمد بهجة البيطار، وتمت كتابة "بهجة" بالتاء المفتوحة واعترض لدى المسؤولين حتى تم كتابة الاسم صحيحا.

اهتم بالدراسات النحوية وقام بوضع العشرات من كتب النحو لطلاب المراحل الثانوية والجامعية وجعلها في متناول الجميع دون تعقيد ممل أو تقعيد مخل، واضعًا الحلول لتيسيرها يقول عن تجربته " إنَّ الذي نفتقر إليه في رأيي هو الإيمان بأنفسنا وبلغتنا، والإقبال عليها بروح العبادة. كان السلف يقولون: كانت تأتينا الآية أو الآيات فنتصورها رسائل من ربنا إلينا، فلا نغادرها حتى نتعلم ما فيها من لغة وفقه وأحكام، فتعلمنا العلم والعمل جميعا. اتخذوا فهم اللغة واجبا دينيا يتربون به إلى الله، فأصلح الله معاشهم ومعادهم ولم يحسّوا بحاجة على تعلم النحو والصرف" من مقال له بعنوان النحو بين التيسير والتعسير الفيصل 218 شعبان 1415 هكان رحمه الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير