تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقاء انضوائه تحت لواء الحضارة الغربية، فقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي، فقد بلغت ثروته يوم وفاته 1600 ألف وستمائة فدان غير العقارات، وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في خططه، فقد أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في "الخانقاة"، وهي مدينة تبلغ 36 فدانًا، كما أهداه محمد علي 250 فدانًا بمدينة طهطا، وأهداه الخديو سعيد 200 فدانًا، وأهداه الخديو إسماعيل 250 فدانًا، بينما اشترى الطهطاوي نفسه 900 فدانًا، فبلغ جميع ما في ملكه [الموسوعة الحرة] إلى حين وفاته 1600 فدان، غير ما شراه من العقارات العديدة في بلده طهطا وفي القاهرة، فماذا قدم الطهطاوي حتى يخلع عليه هؤلاء الولاة هذه الأموال والأراضي؟

جهوده في مناهضة الشريعة:

رائد الإصلاح والتنوير كما يطلق عليه مؤيدوه، كان الثغرة الأولى التي نفذ منها الغربيون إلى عالمنا الإسلامي، فكما يقول المستشرق "جب": (كانت المصادر الأولى التي أخذ الفكر الأوروبي يشع منها هي المدار المهنية التي أنشأها محمد علي، والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوروبا، ويذكر أن منها مدرسة الألسن التي كان يشرف عليها العالم "الفذُّ" رفاعة الطهاطاوي، وهو تلميذ جومار ألبار) [أعلام وأقزام في ميزان الإسلام، العفاني، (1/ 57)].

أما ما يتعلق بإعجابه الهائل بزيف الحضارة الغربية، فيقول في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز": (والغالب أن الجلوس للنساء، ولا يجلس أحد من الرجال إلا إذا اكتفى النساء، وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس ولم يكن ثم كرسي خالٍ قام لها رجل وأجلسها، ولا تقوم لها امرأة لتجلسها، فالأنثى دائمًا في هذه المجالس معظمة أكثر من الرجل، ثم إن الإنسان إذا دخل بيت صاحبه؛ فإنه يجب عليه أن يحيي صاحبة البيت قبل صاحبه ولو كبر مقامه ما أمكن، فدرجته بعد زوجته أو نساء بيته) [تخليص الإبريز في تلخيص باريز، الطهطاوي، ص (168)].

ويقول في وصفه لحال المراقص في باريس، ولا أدري ما حاجة الواعظ والإمام فضلًا عن غيره من المسلمين في دخول مثل تلك الأماكن: (فالرقص في باريس دائمًا غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهيج الشهوات، أما في باريس فإنه لا يُشم منه رائحة العهر أبدًا! وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية، وهكذا، وسواء أكان يعرفها أو لا، وتفرح النساء بكثرة الراغبين في الرقص معهن) [تخليص الإبريز في تلخيص باريز، الطهطاوي، ص (119)].

ثم يسهب في وصف نوع الرقصات وشكلها؛ فيقول: (وقد يقع في الرقص رقصة مخصوصة؛ بأن يرقص الإنسان ويده في خاصرة من ترقص معه، وأغلب الأوقات يمسكها بيده) [تخليص الإبريز في تلخيص باريز، الطهطاوي، ص (119)].

وهنا يعلق الدكتور العفاني قائلًا: (وهذا الكلام يوحي لقارئه بدلالات؛ نذكر منها اثنتين:

1. أن الأخلاق ليست مرتبطة بالدين، وهي فكرة انقدحت في ذهن الشيخ، لكنه لم يستطع أن يعبر عنها بجلاء، فها هو المجتمع يمارس ألوان الدياثة التي لا يرضاها الدين طبعًا، ولكنها مع ذلك ليست خارجة عن قوانين الحياء، ولا يُشم منها رائحة العهر، حتى قيل صراحة: أن الحجاب وسيلة لستر الفواحش، وأن التبرج دليل على الشرف والبراءة، ومن ثَم فلا علاقة بين الدين والأخلاق.

2. إن هذا المجتمع الديوث يكرم المرأة ويحترمها، وفي المقابل نرى المجتمع الإسلامي عنده يحافظ على العرض ولكنه يحتقر المرأة، ويصل إلى المفهوم الذي وجد في أوروبا نفسه؛ وهو أن حقوق المرأة مرتبطة بتحررها من الدين، فما لم يُنبذ الدين فلن تحصل على هذه الحقوق) [أعلام وأقزام في ميزان الإسلام، العفاني، (1/ 58 - 60)].

دفاعه عن قواعد الحضارة الغربية الباطلة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير