تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كانوا ثمرة لمصلحين أسهموا الحياة التونسية إسهاما جليلا على شتى المستويات الأدبية والاجتماعية أمثال الشيخ إبراهيم الرياحي وإسماعيل التميمي والوزير خير الدين باشا صاحب أقوم المسالك والشيخ محمود قبادو. ولقد كان هؤلاء العلماء زعماء المدرسة الإصلاحية التونسية، وكانت فرعا مهما للمدارس الإصلاحية التي نشرت في العالم الإسلامي كالمدرسة الدهلوية والمدرسة الوهابية والمدرسة الأفغانية – نسبة إلى جمال الدين الأفغاني – وهذه المدرسة إلى جانب المدرسة المغربية تتفق مع مدارس العالم الإسلامي في الأسس والمبادئ وتختلف عنها في الأساليب والطرائق. بيد أنها تلتقي جميعا حول هدف موحد هو مقاومة التخلف المزري الذي تردى فيه المسلمون بالرغم من أن دينهم دين الفكر والحضارة والعلم والمدنية [8">.

5 - تأثره بمفكري عصره

لقد كان للحركة الإصلاحية التي تزعمها السيد جمال الدين الأفغاني وتابعها تلميذه الشيخ محمد عبده صداها البعيد في العالم الإسلامي، فقد فتحت بصائر الناس وحركتهم عن طريق مجلة العروة الوثقى والزيارات المتتابعة للبلدان الإسلامية من قبل الشيخين الأفغاني ومحمد عبده. وفي هذا النطاق تتدرج زيارتي الشيخ محمد عبده إلى تونس الأولى كانت سنة 1885م وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثماني سنوات. والأرجح أن مترجمنا لم يتطلع إلى هذه الآراء الإصلاحية بعد نظرا لصغر سنه.

أما الزيارة الثانية لمفتي الديار المصرية فكانت سنة 1903م/1321هـ وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثلاث وعشرين سنة وهو يشغل خطة مدرس من الطبقة الثانية وقد نجح في هذه الخطة في نفس هذه السنة [9">.

فهو في مقتبل العمر وقد نضجت أفكاره وتشبع وقرأ كثيرا من آرائه، وتشوفت نفسه للقاء هذا المصلح الكبير. وتحقق له ذلك فقد حل محمد عبده ضيفا بالمرسى عند الوزير خليل أبو حاجب بقصره المعروف [10">. وقد عقدت مجالس علمية بين الشبخ محمد عبده وبين مفكري البلاد التونسيين. وكان الشيخ الأستاذ ابن عاشور لا يتخلف عنها وكان من بين الذين تقدموا للأستاذ الإمام باقتراح يطلبون فيه منه بأن يلقي درسا بالجمعية الخلدونية وكان عضوا بمجلسها الإداري، وقد كان له ذلك وألقي الدرس في جمادى الثانية سنة 1321هـ/ سبتمبر 1903م [11">.

ولم يقتصر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على اجتماعه بمصلحي الشرق فحسب بل اجتمع بمفكري العالم الغربي من ذلك اجتماعه بالمستشرق اوبنهايم المعروف بمناهجه الفلسفية والدينية ومقارنة الأديان والمذاهب وأصولها ومبادئها. وله في هذا المجال باع ولقد فاجئني في كتابه» أليس الصبح بقريب «بإشاراته الباهرة إلى مفكري الغرب ونظرته لأفكارهم بعين النقد، يوحي إليك من خلالها أنه متمكن من اللغة الفرنسية على أقل شيء [12">.

6 - إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

بدأ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بمساعدة ثلة من الأنصار الأوفياء في تخطيط مراحل الإصلاح وتطبيق النظم التي يراها كفيلة بتحقيق الهدف الذي يصبو إليه للخروج بهذا المعهد العظيم من كبوته [13"> بعد أن تكلم عن أساليب التعليم "الزيتوني" ومناهجه بلسان النقد في كتابه» أليس الصبح بقريب «الذي ألفه سنة 1907م – 1321هـ والذي ضمنه رؤيته للإصلاح وحدد فيه أسباب تخلف العلوم مصنفا كل علم على حدة واعتبر أن إصلاح حال الأمة لا يكون إلا بإصلاح مناهج التعليم والقيام على هذا الجانب، كتب كتابه هذا وعمره لم يتجاوز الخمسة وعشرين سنة مما يدل على أن هذا الشيخ الجليل كرس حياته للنهوض بالجامع الأعظم وبالتالي على مكمن الداء في تخلف الأمة، ولئن أحس الشيخ بجسامة المهمة والبون الشاسع بين واقع المسلمين وما وصلت إليه الأمم الغربية من امتلاك أسباب النهضة والرقي إلا أنه لم يدخر جهدا ولم يثن عزما في السير في هذا الطريق المليء بالأشواك.

لقد شملت عناية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم. وقد اهتمت لجان من شيوخ الزيتونة بتشجيع منه بهذا الغرض. ونظرت في الكتب الدراسية على مختلف مستوياتها وعمل الشيخ على استبدال كتب كثيرة كانت منذ عصور ماضية تدرّس وصبغ عليها قدم الزمان صبغة احترام وقداسة موهومة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير