تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى الرغم من بلوغه سن التقاعد فقد احتاج المسئولون في تونس إلى خبرته وكفاءته؛ فعين في سنة (1361هـ = 1942م) مديرا لمصلحة الأوقاف، فحافظ عليها وحماها من أيدي الطامعين في الاستيلاء عليها، ثم اختير في سنة (1362هـ = 1943م) وزيرًا للقلم (الخارجية)، حيث أشرف على الشئون الداخلية للبلاد، وتولى أمر المراسلات مع الدول والهيئات الأجنبية، وظل في منصبه هذا حتى سنة (1366هـ = 1947م) حيث أعفى نفسه من أعباء هذا المنصب، وتفرغ للتأليف والسفر إلى الأقطار الشرقية والعربية.

ولما نالت تونس استقلالها، وترك الفرنسيون وظائفهم الإدارية دعي من جانب الحكومة التونسية الجديدة لرئاسة المعهد القومي للآثار والفنون فلبى الدعوة في سنة (1376هـ = 1957م) على الرغم من كبر سنه، وأقبل على عمله مملوءا همة ونشاطا، وقضى في تلك الوظيفة خمس سنوات، نقل خلالها مصلحة الآثار من مقرها القديم المتهالك إلى دار فخمة كان يسكنها قائد الجيش الفرنسي، وأسس خمسة متاحف، أربعة منها للآثار الإسلامية، والخامس للآثار الرومانية في قرطاجنة.

النشاط العلمي والأدبي

وإذا كانت حياة حسن حسني عبد الوهاب حافلة بأنواع النشاط في الأعمال الإدارية فإنها كانت مليئة بالإنجازات العلمية الجليلة، حيث لم ينقطع عن البحث والكتابة وإلقاء الدروس والمحاضرات والمشاركة في حضور المؤتمرات، والكتابة بالعربية والفرنسية إلى المجلات والدوريات. وقد بدأ نشاطه العلمي بحضور مؤتمر المستشرقين الذي عقد في الجزائر سنة (1323هـ = 1905م) بترشيح من صديقه وراعي نشأته "محمد الأصرم" رئيس الجمعية الخلدونية، وقدم في هذا المؤتمر الحافل بحثا محررا بالفرنسية عن العهد العربي بصقلية، والتقى بجمع من علماء العرب والمستشرقين، من أمثال "محمد فريد" رئيس الحزب الوطني المصري، ولويس ماسينيون من فرنسا، وآسين بلاسيوس من أسبانيا، وجورج براون من إنجلترا، وتوثقت صلته بهم، وحرص على أن يشهد مؤتمرات المستشرقين بانتظام، وكان له فيها مساهمة ملحوظة وتعقيبات مشكورة، وغيرة محمودة، فحين قدم الأب لافيس والأب لويس شيخو اليسوعيان بحثا عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق في مؤتمر كوبنهاجن سنة (1326هـ = 1908م) نهض حسن حسني عبد الوهاب للرد عليهما في لغة ناصعة وبرهان قوي، وكان لمعارضته صدى كبير لدى الحاضرين، وتأييد عظيم منهم.

ثم سنحت له فرصة التدريس على يد محمد الأصرم حين انتدبه لتدريس التاريخ بالجمعية الخلدونية لنشر العلوم العصرية سنة (1326هـ = 1908م) فوجد في ذلك ميلا ورغبة ورضا لطموحه، وأقبل يبث في طلبته روح البحث والدرس، ويوجههم إلى دراسة الوثائق والآثار؛ لاستنباط ما ليس موجودا في الكتب، أو لدعم الأخبار المنقولة عنها بما تشهد به النقوش والنقود، وبذلك خطا بالدراسات التاريخية التونسية أشواطا بعيدة، وجعلها تتسم بالدقة والأمانة، والاعتماد على الآثار باعتبارها أحد المصادر المهمة لتاريخ البلاد.

ولا شك أن تمكنه من الفرنسية واطلاعه على المؤلفات الغربية وطرائقها في دراسة التاريخ، أفاداه في الدرس والكتابة، كما أن مطالعته لكتب المستشرقين ومخالطته لهم جعلته يعتني بالآثار وتتبع الحفريات، وتعاون في ذلك مع المختصين في الآثار الإسلامية بالمغرب، وكانت له يد طولى في التنقيب عن الآثار الإسلامية، وبخاصة في المهدية والقيروان ورقادة.

عضوية المجامع العلمية

كان حسن حسني عبد الوهاب كثير الأسفار للمشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية في الجزائر والمغرب وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والدانمارك والسويد وغيرها، وقد لفت الأنظار إليه بثقافته الواسعة، وبيانه الواضح القوي، فدعته المجامع العلمية لعضويتها، فاختير عضوًا مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق منذ أول تأسيسه في سنة (1340هـ=1921م)، وكان أحد الخمسة العرب من غير المصريين الذين اختيروا لتأسيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة في سنة (1351هـ=1932م). ويذكر له موقفه المعارض للاقتراح الذي قدمه أحد أعضاء المجمع باتخاذ الحروف اللاتينية لرسم الكتابة العربية.

ولم تقتصر عضويته على المجامع العربية، بل دعته بعض المجامع الأوروبية لنيل عضويتها، فكان عضوًا مراسلاً لمجمع الآداب والكتاب الفرنسي، وعضوًا مراسلاً لمجمع التاريخ الأسباني، وعضوًا عاملاً باليونيسكو.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير