[مديرون لا مدراء]
ـ[أيمن ذوالغنى]ــــــــ[15 - 08 - 2004, 01:27 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
((مُديرون)) لا ((مُدَراء))
شاعَ في وسائل الإعلام المختلِفة (مقروءةً، ومسموعةً، ومرئيَّةً) استعمالُ كلمة "مُدَراء" جمعًا لمدير؛ فيقال مثلاً: "كثيرٌ من المُدَراء لا يَقبلون النَّقد"، و"كثيرٌ من المُدَراء غيرُ جديرين بالإدارة"؛ فهل هذا الاستعمال سائغٌ في العربيَّة، مبنيٌّ على قياسٍ صحيح، أو سماع ثابت؟
كلمةُ "مُدِيْر" اسم فاعل من الفعل الرُّباعي "أدار" بوزن: أفْعَلَ [من الجذر: دور]، يقال: أدارَ يُديرُ فهو: مُدِير؛ فوزنُ كلمة "مُدِير" مُفْعِل، أصلها: مُدْوِر، ثم صارت بعد الإعلال: "مُدِيْر". وهذا يعني أن الميمَ في أوَّل الكلمة زائدةٌ.
وقد قرَّر النُّحاة: أنَّ الوصفَ المبدوءَ بميم زائدة – أي: على وزن "مُفْعِل"، أو "مُفْعَل"، أو "مَفْعُول"، أو "مُفَعِّل"، ونحوها – إذا كان للعاقل= فإنه لا يُجمَع جمعَ تكسير، بل يُجمعُ جمعَ سلامة: بالواو والنُّون، والياء والنُّون، إلا ما شذَّ، وهي ألفاظٌ قليلةٌ محفوظةٌ أوردها علماءُ العربيَّة في كتبهم.
فالقياسُ في جمع "مُدير": مُديرون في حالة الرَّفع، ومُديرين في حالتَي النَّصب والخَفْض.
ولم يُسمَع "مُدَراء" جمعًا لمُدير في كلامٍ فصيح؛ ليُلحَقَ بما شذَّ من الجُموع.
وأما سببُ الوهم والخطأ في جمع"مُدير" على "مُدَراء" فهو الظَّنُّ بأنَّ "مُدير" على وزن "فَعيل" -مع أن ميمَه مضمومة-[من الجذر: مدر] وجمعَه على وزن "فُعَلاء"، مثل: حَكيم وحُكَماء، وكَريم وكُرَماء، ونحوها، وهو ظنٌّ فاسدٌ ساقطٌ؛ لِما تقدَّم.
ويَصِحُّ أن يكونَ لفظ "مُدَراء" جمعَ تكسيرٍ لاسم الفاعل "مادِر"، من الفعل الثُّلاثي "مَدَرَ" يقال: مَدَرَ الرجلُ الجِدارَ يَمدُرُه مَدْرًا: إذا سَدَّ خِلالَ حِجارَتِه بالمَدَر، وهو الطِّينُ اللَّزِجُ المُتَماسِك. وعليه فالمُدراءُ: هم المُطَيِّنون للجُدُر وغيرها، وشَتَّانَ ما بينَ المُطَيِّنينَ المُدَراء والمسؤولينَ المُديرين.
هذا وقد ذهب إلى تخطِئة "مُدَراء" جمعًا لمدير: جمٌّ غفيرٌ من اللُّغَويِّين العصريِّين الذين كتبوا في لحن العامَّة والأخطاء الشَّائعة، منهم:
1 - د. محمد تقيُّ الدِّين الهِلالي في "تقويم اللِّسانَين" ص122.
2 - د. أحمد مختار عمر في "العربيَّة الصَّحيحة" ص207.
3 - محمد العَدناني في "معجم الأخطاء الشَّائعة" ص93 رقم (346).
4 - د. عبدالعزيز مطر في "أحاديث إذاعيَّة في الأخطاء الشَّائعة" ص7.
5 - إدريس بن الحسن العَلَمي في "في اللغة" ص132.
6 - خالد قوطرَش وعبداللَّطيف أرناؤوط في "الأخطاء السَّائرة" ص75.
7 - د. إميل بديع يعقوب في "معجم الخطأ والصَّواب" ص304.
8 - د. محمد المفدَّى ود. سيِّد أبي الحطب ود. محمد سعادة في "ما تلحن فيه
الصُّحف" ص195.
9 - قاسم العامر في"قل ولا تقل" ص50.
10 - مروان البوَّاب وإسماعيل مَرْوَة في "دليل الأخطاء الشَّائعة في الكتابة والنُّطق"
ص31.
ولا يفوتُني التنبيهُ على أن كلمة "مُدَراء" جمعًا لمدير، لم تَرد في أيِّ معجم لغويًّ مُعتَمَد، وإنما تفرَّد بذكرها – فيما أعلم- معجم "المُنجِد"؛ فذكر أن ((جمعَ مُدير: مُدَراء ومُديرون))، وهذا منه صنيعٌ غيرُ مَرضِيٍّ، وإيرادُ "المُنجِد" لـ مُدَراء لا ينقُل الكلمةَ من الخطأ إلى الصَّواب، بل تبقى خطأً مَحضًا مردودًا.
ومعجم "المنجِد" ألَّفه الأبُ لويس المعلوف اليَسوعي، وهو على حُسن تنظيمه تُؤخَذ عليه أمورٌ كثيرة تَهُزُّ الثِّقةَ به هزًّا، وكان كتبَ قديمًا أستاذُ أساتيذ العربيَّة سعيد الأفغاني- يومَ كان رئيسًا لقسم اللُّغة العربيَّة بجامعة دمشق- تقريرًا في التَّحذير من "المنجِد"، بعنوان: "أضرارُ المنجِد والمنجِد الأبجَدي".
وعقدَ الدُّكتور مازن المبارك فصلاً في كتابه: "نحو وعي لغويٍّ" بعُنوان: وقفة عند المنجِد.
وجعلَ الأستاذ يسري عبدالغني عبدالله فصلاً في كتابه: "معجم المعاجم العربيَّة" بعنوان: المنجِد يريد من يُنجِدُه.
وحبَّر علامة العراق مصطفى جواد مقالات في مجلَّة "لغة العرب" بعنوان: المنجِد وما فيه من الأوهام. [عن كتاب: "في التُّراث اللُّغوي" الذي ضمَّ مقالات مصطفى جواد. تحقيق: د. محمد عبدالمطَّلب البكَّاء].
¥