تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال عمر: عليكم بديوانكم لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم (7). وبهذا وضع عمر أساساً لدرس العربية هو الاتجاه إلى ألسنة القبائل في الشعر الجاهلي وكلام العرب، وروي قريب من هذا عن ابن عباس الذي كان ذا مذهب معروف في تفسير القرآن الكريم بالشعر، وهو القائل: (إذا سألتموني عن غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب) (8)، ومن الأمثلة على مذهبه أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: (لا ترجون لله وقاراً) (9)، فقال: لا تخشون لله عظمة، واستشهد بقول أبي ذؤيب الهذلي:

إذا لسعته النحل، لم يرج لسعها وحالفها في بيت نوب عوامل (10)

وقد أخذ العلماء من بعد، يلتمسون في الشعر الجاهلي تفسيراً لبعض الظواهر التالية: غريب القرآن ومجازه وإعجازه وتراكيبه وتفسير معانيه (11).

ومعرفة لغات القبائل تكون عادة بالعودة إلى مصادرها، ومعظم ما في أيدينا منها فيه إشارات إلى اللغات السبع المشهورة بالفصاحة وهي لغات قريش وهذيل وهوازن واليمن وطيئ وثقيف وتميم (12). وقد جمعها علماء اللغة في القرنين الأول والثاني الهجريين، وإذا ما أراد أحدنا البحث في إحدى هذه اللغات كان عليه أن يعود إلى المعجمات وكتب النحو واللغة والقراءات القرآنية، إذ بُثت فيها ظواهر لهجية مختلفة.

والذي يبدو لي أن هناك صعوبات يمكن أن تعترض في سبيل من يريد أن تكون له معرفة دقيقة بظواهر اللهجات العربية القديمة بالاستقصاء والدقة اللذين يتطلبهما عادة البحث العلمي الرصين، وهي صعوبات ناتجة عن الأمور التالية:

1 - إن المصادر التي تحدثت عن لغات القبائل خاصة لم تصل إلينا كاملة، مع أنها أساسية في موضوع البحث، وإذا كنا عرفنا مثلاً كتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني – وهو كتاب هام عني بأشعار القبائل ولغاتها عناية كبيرة – فإننا نفتقد أول كتاب ألف في لغات القبائل، وهو ليونس بن حبيب، ونفتقد كتاباً لعزيز بن الفضل الهذلي في لغة هذيل وكتباً للفراء وأبي عبيدة والأصمعي وغيرهم (13).

2 - إذا ما عدنا إلى القرآن الكريم الذي نعرف أنه نزل بلغات القبائل العربية، فلن يسعفنا بإشارات وافية عن الظواهر اللهجية، أو يمدنا بالأمثلة الكافية عليها، ذلك أنه تجنب السمات اللغوية المفرّقة في المحلية كعنعنة تميم وكشكشة قيس، والتي كانت عند العرب أيام نزوله، فالمثل اللغوي المنشود في لغته بعيد عن المحلية (لذا، فليس من الممكن تصوّر أن لغة القرآن الكريم تعكس لهجة الحجاز أو أية لهجة أخرى، بل الأقرب إلى واقع الأمر أن يكون بتلك اللغة الفصيحة المحترمة من الجميع) (14).

3 - من الصعب على غير الخبير بلغات القبائل العربية القديمة أن يعرف أن هذه اللغة لهذيل وتلك لتميم والثالثة لطيئ، ما لم ينص على هذا صراحة في المصدر الذي يعود إليه، فإذا كنت أبحث مثلاً في خصائص لغة هذيل، ومررت ببيت في لسان العرب لأبي ذؤيب فلن أعرف، وأنا غير الخبير، ما نطق به أبو ذؤيب في هذا البيت على لغة قبيلته، وما نطق به على لغة العرب أجمعين، ما لم ينص صاحب اللسان على هذا، إذ من الطبيعي أن هناك قدراً لا يحصى من المفردات والتراكيب مشتركاً بين القبائل العربية كلها، وقد لا يكون في هذا البيت شيء من لغة هذيل، وإن كان صاحبه هذلياً.

4 - إن البحث في لغة قبيلة ما لن يتسم بالاستقصاء الكامل، ذلك أن ما بين أيدينا من مصادر اللغات، لم يسجّل لنا الظواهر اللهجية القديمة كلها، فاللغويون العرب لم يجمعوا هذه الظواهر في عصر التدوين بهدف بحثها بحثاً شاملاً ينسب إلى كل قبيلة ما لها منها، وإنما قصروا اهتمامهم على تسجيل بعض الظواهر التي استوقفتهم عند بعض القبائل، إذ كان همهم الأول تقرير فصاحة القبيلة أو عدمها، بل إن هذا الهم شغلهم عن كثير من القضايا اللغوية التي يمكن أن تدرس دراسة ميدانية (15)، فالنقص في التسجيل إذن، واضح في أمرين عدد القبائل وعدد الظواهر اللهجية في كل قبيلة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير