تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن النحت ظلّ -مع ذلك- قصّة محكيّة، أو رواية مأثورة تتناقلها كتب اللغة بأمثلتها الشائعة المحدودة، ولا يفكر العلماء تفكيراً جدياً في تجديد أصولها وضبط قواعدها، حتى كانت النهضة الأدبية واللغوية في عصرنا الحاضر؛ وانقسم العلماء في النحت إلى طائفتين:

طائفة تميل إلى جواز النحت والنقل اللّفظي الكامل للمصطلحات.

وطائفة يمثّلها الكرملي حيث يرى: (أن لغتنا ليست من اللّغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدوّن في مصنفاتها. والمنحوتات عندنا عشرات، أمّا عندهم فمئات، بل ألوف، لأنّ تقديم المضاف إليه على المضاف معروفة عندهم، فساغ لهم النحت. أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه) (20).

وقد وقف الدكتور صبحي الصالح من الطائفتين موقفاً وسطاً حيث يقول: "وكلتا الطائفتين مغالية فيما ذهبت إليه؛ فإن لكلّ لغة طبيعتها وأساليبها في الاشتقاق والتوسّع في التعبير. وما من ريب في أنّ القول بالنحت إطلاقا يفسد أمر هذه اللغة، ولا ينسجم مع النسيج العربي للمفردات والتركيبات، وربّما أبعد الكلمة المنحوتة عن أصلها العربي. وما أصوب الاستنتاج الذي ذهب إليه الدكتور مصطفى جواد حول ترجمة (الطب النفسي الجسمي psychosomatic)، فإنّه حكم بفساد النّحت فيه (خشية التفريط في الاسم بإضاعة شيء من أحرفه، كأن يقال: "النفسجي" أو النفجسمي" ممّا يبعد الاسم عن أصله، فيختلط بغيره وتذهب الفائدة المرتجاة منه" (21).

ز - صلة النحت بالاشتقاق:

لقد انقسم الباحثون من علماء اللغة إزاء نسبة النحت إلى الاشتقاق، إلى أربعة فرقاء:

الفريق الأول: ويرى "أنّ مراعاة معنى الاشتقاق (…) جعل النحت نوعاً منه: ففي كلّ منهما توليد شيء من شيء، وفي كل منهما فرع وأصل، ولا يتمثّل الفرق بينهما إلاّ في اشتقاق كلمة من كلمتين أو أكثر على طريقة النحت واشتقاق كلمة من كلمة في قياس التصريف" (22).

الفريق الثاني: ويذهب إلى أنّ النحت غريب عن نظام اللغة العربية الاشتقاقي. لذلك لا يصحّ أن يعد قسماً من الاشتقاق فيها. وحجّته أن لغويّينا المتقدّمين لم يعتبروه من ضروب الاشتقاق، وأنه يكون في نزع كلمة من كلمتين أو أكثر، بينما يكون الاشتقاق في نزع كلمة من كلمة. زد على ذلك أنّ غاية الاشتقاق استحضار معنى جديد، أما غاية النحت فالاختصار ليس إلاّ (23).

الفريق الثالث: ويمثله الشيخ عبد القادر المغربي. وقد توسط بين الفريقين السابقين: فاعتبر النحت "من قبيل الاشتقاق وليس اشتقاقا بالفعل، لأن الاشتقاق أن تنزع كلمة من كلمة. والنحت أن تنزع كلمة من كلمتين أو أكثر، وتسمى تلك الكلمة المنزوعة منحوته" (24).

الفريق الرابع: وقد انفرد به العلامة محمود شكري الألوسي. وقد أدرج النحت في باب الاشتقاق الأكبر.

فيقول: (النحت) بأنواعه، من قسم (الاشتقاق الأكبر) " (25).

وعنده أن الاشتقاق الأكبر هو: "أن يؤخذ لفظ من لفظ، من غير أن تعتبر جميع الحروف الأصول للمأخوذ منه، ولا الترتيب فيها، بل يكتفى بمناسبة الحروف في المخرج، ومثلوه بمثل: نعق، من النهق، والحوقلة من جملة: لاحول ولا قوة إلا بالله، للدلالة على التلفظ بها" (26).

أقول: وما ذكره العلامة الألوسي -سلفا-، أعتبره خلطا غير مُرْضٍ، إذ النحت يتميز عن الاشتقاق الأكبر بتوليد جديد له بعض خواص الاشتقاق.

هذا، وإنني أعتبر النحت من قبيل الاشتقاق وليس اشتقاقا بالفعل -كما قال الشيخ المغربي-، من حيث أن عنصر التوليد فيه ظاهر، والذي عليه مدار الاشتقاق وبينهما اختلاف غير يسير ..

ح - النحت بين السّماع والقياس:

يقرّر الدكتور إبراهيم نجا -رحمة الله- أن: "النحت سماعي. وليس له قاعدة يسير وفقها القائلون، إلاّ في النسبة للمركب الإضافي. فقد قال العلماء إنه مبنيّ على تركيب كلمة من اللفظين على وزن (فعلل)، بأخذ الفاء والعين من كلّ لفظ ثم ينسب للفظ الجديد كعبشميّ في عبد شمس، وعبد ريّ في عبد الدار، وتيمليّ في تيم اللاّت. وفي غير ذلك مبنى على السّماع والأخذ عن العرب" (27).

غير أنّ بعض الباحثين المتأخرين فهموا نصّ ابن فارس: " ... وهذا مذهبنا في أن الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثرها منحوت" (28) -فهموه فهماً مختلفاً؛ فقد استنتج بعضهم من هذا النص أنّ ابن فارس يرى أنّ النحت قياسي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير