تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لحظ نفر من الباحثين في النص القرآني، أنّ اللفظ الواحد في القرآن الكريم تتعدد دلالاته وتختلف من تركيب إلى تركيب، ومن سياق إلى سياق، وظلّ ذلك يدور في خَلدَ المفسرين، حتى صار موضوعَ علمٍ قائمٍ بذاته، هو "علم الوجوه والنظائر" يشكل فَرْعاً من فروع الدراسات القرآنية ذات الصلة الوشيجة بالدراسات اللغوية الدّلالية، لأن فيه إحساساً بتعدّد الوجوهَ (المعاني) للفظ الواحد في التعبير القرآني، يظهر ثراء اللغة. ويجعل أصحاب هذا العلم- الوجوه- اسماً للمعاني، و- النظائر –اسماً للألفاظ. (27)

ولعلّ أول كتاب وصل إلينا في هذا العلم كتاب (الأشباه والنظائر) (28)، لمقاتل بن سليمان (ت 150ه‍) (29)، حاول فيه حصر /وجوه/ كثير من الألفاظ، والعبارات، والحروف الواردة في القرآن الكريم، مستشهداً على كل وجه بِعَدِدٍ من آيات القرآن. وكانت عنايته واضحة بشرح معنى اللفظ في سياقاته المختلفة، فيذكر المعنى الأصلي للفظ، ثم يذكر بقية المعاني الفرعية؛ ومثال ذلك أنه ذكر لكلمة /الموت/ خمسة وجوه وردت في سياقات القرآن، أربعة منها فرعية، كأن تأخذ معنى النُطَف التي لم تخلق، أو معنى الضال عن التوحيد، أو معنى جدوبة الأرض، وقلة النبات، أو معنى ذهاب الروح من غير استيفاء الأرزاق. ثمّ يشير إلى المعنى الخامس- الأصلي- بقوله: "الموت بعينه. ذهاب الروح بالآجال، وهو الموت الذي لا يرجع صاحبه إلى الدنيا" (30).

وقد أسهم الباحثون في هذا العلم في تفسير دلالات كثيرة من ألفاظ القرآن الكريم، وعباراته، وحروفه، وأماطوا اللثام عن معانيها الأصلية، والفرعية، الواردة في سياقات القرآن، وبينوا اختلاف دلالاتها من سياق إلى آخر ومن تركيب إلى تركيب.

5 - جهود الباحثين في المشترك اللفظي في القرآن:

يقصد بالمشترك اللفظي تعدّد المعنى للفظ الواحد، وهو بهذا المعنى قريب من علم "الوجوه والنظائر" ومن العلماء الذين أسهموا في دراسة مفردات القرآن وتوضيح دلالاته، وربطها بظاهرة الاشتراك اللفظي، نفرٌ ألَّفوا كتباً في المشترك اللفظي في القرآن الكريم.

ومن أهم من ألفوا في هذا الموضوع المتعلِّق بألفاظ القرآن، أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت 286ه‍) وقد وصل إلينا كتابه بعنوان: "ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد" (31).

قال في مقدمة هذا الكتاب "هذه حروف ألّفناها من كتاب الله عز وجلّ متفقة الألفاظ مختلفة المعاني .. " (32)

وقد أوضح ما يريد بذلك بقوله: وأمّا اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين، فنحو: وجدت شيئاً إذا أردت وجدان الضالة، ووجدت على الرجل من الموجدة، ووجدت زيداً كريماً، علمت ... ثم بينّ في مكان آخر أنَّ من الألفاظ القرآنية التي يتفق لفظها ويختلف معناها /ظن/ فهي في قوله تعالى: إلاّ أماني وإنْ هم إلاّ يظنّون) (33). من الشك، و/ظن/ في قوله تعالى: (الَّذِيْنَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ) (34). من اليقين، لأنهم لو لم يكونوا مستيقنين لكانوا ضُلاّلاً شكّاكاً في توحيد الله تعالى (35).

ومن يتابع المبرّد في باقي الألفاظ التي نثرها على صفحات كتابه، يجد في عمله إسهاماً في تفسير مفردات القرآن وتبيين دلالاتها المختلفة، في إطار المشترك اللفظي الذي كان المحور الذي يدور عليه كتابه، وكان يدعم ما يذهب إليه في إثبات الدّلالة المقصودة من اللفظ بأشعار العرب.

6 - جهود المفسرين وفق المنهج اللغوي في التفسير:

علم التفسير من أهم العلوم التي انصرفت إلى النظر في معاني ألفاظ القرآن الكريم، ودلالاتها، وشرحها، إلى جانب عنايته بمعاني الآيات وما يتعلق بها، ويهمّنا من هؤلاء المفسرين مَنْ سلك المنهج اللغوي منهم في التفسير، ليظهر لنا ما قدّموه في ميدان تفسير معاني المفردات، وتوضيح دلالاتها، ولكي تتبين لنا جهود الطبري الدّلالية على حقيقتها، نؤثر أن نُلْمِح إلى جهود من سبقوه من المفسرين الذين سلكوا المسلك المشار إليه آنفاً، يايجازٍ شديد، أمثال عبد الله بن عباس (ت 68ه‍) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت 182ه‍).

آ- عبد الله بن عباس (13ق. ه‍- 68ه‍):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير