تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تذكر الروايات أنَّ أوّل من قام بتفسير مفردات القرآن الغامضة تفسيراً لغوياً الصحابي الجليل عبد الله بن عباس. الذي كان أعرف الناس بالقرآن. قال الحسن البصري: "إنَّ أوّل مَنْ عرَّف (علّم) بالبصرة ابن عباس، صعد المنبر فقرأ سورة البقرة ففسّرها حرفاً حرفاً ... ) (36)، وصنيعه هذا دفع عبد الله بن عمر إلى القول: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس". (37) وقد أشاد أبو بكر النقاش في تفسيره "شفاء الصدور" (38) كثيراً بمنزلة ابن عباس عند الصحابة والتابعين، وبجلالة قدره في هذا المجال، وقال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أعضل به الأمر قال لابن عباس: غُصْ يا غواص أي أشِرْ برأيك، وقال: من كان سائلاً عن شيء من القرآن، فليسأل عبد الله بن عباس فانّه ختم القرآن، وهو حِبْر القرآن .. وكان الامام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يمتدح فيه جودة رأيه وكثرة إصابته. (39) وهذا ما أهله لأن يُعَدَّ المؤسس الحقيقي لعلم التفسير، فهو الذي نهجه، ووضحّ أصوله.

وعُرِف عنه بأنه كان يعتمد على الشعر القديم في تفسير عربية القرآن، وقد أثِرَ عنه قوله: (إذا أشكل عليكم الشيء من القرآن فارجعوا إلى الشعر فانه ديوان العرب). وكان يُسْأل عن القرآن فينشد الشعر. (40) وعنايته مذكورة في غير ما كتاب من كتب الأدب. وتلك طريقة جديدة لم يسبق إليها. وقد نَسَب له ابن النديم كتاباً في التفسير. (41) وروى الطبري في تفسيره أغلب ما قاله ابن عباس في تفسير القرآن.

كم أورد السيوطي كثيراً من ذلك في كتابه (الاتقان في علوم القرآن). (42)

وتفسير ابن عباس المروي بالأسانيد الراجعة إلى تلاميذه المباشرين، قد جُمع في مجموعات منذ عهد مُبَكِّر؛ ومن أوثق تلك المجموعات، المجموعة التي روى محصولَها عن ابن عباس عليُّ بن أبي طلحة الهاشمي، يقول فيها أحمد بن حنبل:

"إنَّ في مصر تفسيراً عن ابن عباس رواه عليُّ بن أبي طلحة، وليس بكثير أنْ يُرْحَل إلى مصر من أجله". (43)

ويُروى أنَّ نافع بن الأزرق (ت 65ه‍)، أحد رؤوس الخوارج، كان يأتي ابن عباس ويسأله عن أشياء من القرآن الكريم، ويطلب منه مصداقه من كلام العرب، حتى بلغت تلك الأسئلة حوالي مائتين وخمسين سؤالاً، وقد أجاب عنها ابن عباس، مؤيداً ما يذهب إليه بأشعار العرب. (44)

ومن ذلك تفسيره قوله تعالى (فاذا هُمْ بالسّاهِرَةِ). (45)،، قال بالأرض، ألم تسمع قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:

فذاكَ جزاءُ ما عَملُوا قَديْماً وَكُلّْ بَعْدَ ذلِكُمُ يَدُومُ

وَفِيْهَا لَحْم سَاهِرةٍ وبَحْرٍ وما فاهوا به لَهُمُ مُقِيْمُ (46)

وهكذا يمضي نافع بن الأزرق يسأل وابن عباس يجيب (47).

يُلْحَظ من المثال السابق أن ابن عباس يفسر مفردات القرآن تفسيراً لغوياً، يأتي باللفظة، ويشرحها بلفظة تقابلها، ويستشهد بأشعار العرب، ليؤكد ذلك المعنى، الذي ذهب إليه، ولكن إذا عدنا إلى بعض الكتب القديمة التي أوردت بعض آثار ابن عباس، نجد أنه كان يشير في أثناء تفسير المفردات إلى جذورها، فقد جاء عنه أنه قال: "الرحمن: الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب". (48)

وأُثِرَ عنه تفسير بعض العبارات القرآنية، وايضاح المعنى المقصود منها، من ذلك تفسيره عبارة "انّه عمل غير صالح" من قوله تعالى: (يَا نْوحُ انّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلكَ انَّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالحٍ). (49) بقول الله لنوح: سؤالك ايّاي ما ليس لكَ به علم عمل غير صالح (50) كما كان يوضّح دلالة التركيب اللغوي أحياناً كما فعل في قوله تعالى: (ايّاكَ نَعْبُد) (51) بقوله: ايّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربَّنا لا غيرك (52).

وقد أشِيرَ- سابقاً- في أثناء الحديث عن جهود علماء لغات القرآن في تفسير المفردات إلى إحاطة ابن عباس باللهجات واختلاف اللغات وخصوصاً ما يتعلق بدلالة المفردات، لأن لغة القرآن حوت من جميع لهجات العرب، وقد روت لابن عباس كتب اللغة والنحو ظواهر تفسيرية بيَّن فيها ما تعني تلك المفردات في لهجات بعض القبائل، من ذلك شرحه كلمة /ييأس/ من قوله تعالى: (آفَلَمْ ييَأس الذِيْنَ آمنوا) (53). بقوله ييأس في معنى يعلم لغة للنخع. ومنه تفسيره كلمة (لهو) من قوله تعالى: (لَو أرَدْنا أنْ نَتَخِذَ لهَواً) (54) بقوله: اللهو: الولد بلغة حضرموت. ومنه شرحه كلمة (بور) من قوله تعالى: (وَكُنتُمْ قوماً بُوراً) (55) بقوله: البور في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير