تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمثلة في تفسيره على ذلك كثيرة، فمن المفردات التي فسّرها تفسيراً لغوياً كلمة (حميم) في قوله تعالى: (فَلَيْس لَهُ اليَومَ ها هنا حَمِيْمٌ) (71) قال: حميم: القريب في كلام العرب (72)، ومنها تفسيره كلمة (ثاقب) في قوله تعالى (فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقبٌ) (73)، قال: الثاقب: المستوقد، والرجل يقول: أثْقِبْ نارَكَ، ويقول: استثقب نارك: استوفد نارك. (74) ومن تفسير المفردات وبيان جنسها وعددها تفسيره كلمة (الطاغوت) في قوله تعالى:

(والَّذِيْنَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أنْ يَعْبُدوها (75)، قال: الشيطان، هو هنا واحد، وهي جماعة، والطاغوت واحد مؤنث، ولذلك قيل: أن يعبدوها.

وقيل: إنّما اُنِّثَتْ لأنّها في معنى جماعة (76). ومنها تفسير المفردة، وبيان لغاتها من كلام العرب، كتفسيره كلمة (مدّكر) في قوله تعالى: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ). (77) قال المُدّكر: الذي يتذكر، وفي كلام العرب المُدّكر والمُذّكر. (87) ومنها تفسير المفردة، والاشارة إلى تَعَدّد صيغ البناء الواحد، وتوضيحها بذكر مثيلاتها، كتفسيره كلمة (كُبّار) في قوله تعالى: (وَمَكَروا مَكْراً كُبَّاراً) (79) قال الكُبَّار: هو الكبير، تقول العرب: أمرٌ عَجِيْب وعُجَاب بالتخفيف، وعُجَّاب بالتشديد، وَرجُل حُسَان وحُسَّان، وجُمَال وجُمَّال بالتخفيف والتشديد، وكذلك كبير وكُبَّار بالتشديد (80) ومنها تفسير المفردة والاشارة إلى اختلاف دلالة المفردة باختلاف بنائها كتفسيره (القاسطين) في قوله تعالى: (وأنَّا مِنَّا المُسْلِمُونَ ومِنَّا القَاسِطُون .. ) (81)، قال المُقْسِط: العادل، والقاسط: الجائر، ومنها قول الشاعر:

قَسطْنَا على الأمْلاكِ في عَهْدِ تُبّعٍ ومِنْ قَبل ما أدْرَى النفوسَ عقابُها (82)

ومنها تفسير المفردة، وتحديد معناها، وأسباب تسميتها، كتفسيره (الغَبَرة) و (القَتَرة) في قوله تعالى: (وَوُجُوهٌ علَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) (83). قال: هذه وجوه أهل النار، والقَتَرَة من الغَبَرَة وهما واحد، قال: فأمّا في الدنيا فانَّ (القَتَرَة) ما ارتفع فلحق بالسماء، ورفعته الريح، تسمية العرب (القَتَرَة) وما كان في أسفل الأرض فهو (الغَبَرَة) (84)،ومنها تفسير المفردة، وإحساسه باستخدامها المجازي، والاشارة إلى أن الله تعالى، خاطب العرب، بالمعروف المشهور من كلامهم، المتداول لديهم، ويتضح ذلك من تفسير كلمة (الخَيْر) من قوله تعالى: (وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْر لَشَدِيْدٌ) (85) قال: الخير: المال، وربَّما يكون حراماً أو خبيثاً، ولكن الناس يعدونه خيراً، فسمّاه الله خيراً، لأن الناس يسمّونه خيراً في الدنيا. كما سمّى القتال سوءاً يقول تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمُ سُوْءٌ) (86)، قال: لم يمسهم قتال وليس هو عند الله بسوءٍ، ولكن يسمّونه سوءاً (87) ولعلّه كان على معرفة- إلى حدٍ ما –باللغات الأخرى غير العربية، فقد أثرَ عنه قوله في تفسير كلمة (الطور) من قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّوْرَ) (88) الطور: الجبل بالسيريانية. (89)

وتدل الأمثلة السابقة على أنّ المفسر عبد الرحمن بن زيد (ت 182 ه‍) الذي سلك المنهج اللغوي في التفسير، قد أسهم في تفسير مفردات القرآن، وإيضاح دلالاتها، كما تناول بعض المسائل اللغوية التي تزيد من إيضاح تلك الدلالات.

وهذا القدر من الدراسات اللغوية التي دارت حول شرح مفردات القرآن الكريم وإيضاح دلالاتها، مما قام بها القراء والمفسرون وعلماء الغريب والباحثون في لغات القرآن، والوجوه والنظائر، وما اتفقت ألفاظه واختلفت معانيه، وغيرها من الدراسات تنهض دليلاً لا يُجْحد على ما بذله السلف في هذا الميدان، على الرغم من تفاوت مناهجهم وأساليبهم في البحث كل حسب رأيه وعلمه، كاف لاعطائنا صورة مبسّطة عن هذا النوع من الدراسة اللغوية التي تُعَدّ من بذور الدراسة الدّلالية في نظر علم اللغة الحديث، لأن دراسة المفردات "ربما كانت الأصل، الذي بدأ به علماء اللغة خطواتهم الأولى، نحو علم الدلالة الحالي، منذ أن عرضت للانسان القديم ألفاظ من لغته أو من لغات أخرى، لم يفهمها ... وهذا ما فعله علماء العربية من المفسّرين والمعجميين والشراح في هذا الميدان، بدءاً بابن عباس (ت 68ه‍) (90) فَشَرْحُ مفردات القرآن الكريم أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير