تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لغة أزد عمان: الفاسد. (56) ويدل هذا على معرفته الواسعة بلغات القرآن، وما وافق منها لهجات القبائل ولغاتها، وقد أثِر عنه بعض العبارات التي تؤكد ذلك، فقد سُئِل عن معنى كلمة (قسورة) في قوله تعالى: (كأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مَنْ قَسْورَةٍ) (57) فقال: هي عُصَب الرجال، وما أعلمه بلغة أحد من العرب: الأسد (58) وقوله:

"وما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد" عبارة لا يطلقها إلاّ من أحاط بلغات العرب ولهجاتها، وتمرّس بها، وخَبِرَها، حتى كأنها أمامه لا يخفى عنه منها شيء. ولعله- إلى جانب ذلك- كان على معرفة بلغات الأمم الأخرى، كالفارسية والحبشية والنبطية، وقد روى له الطبري في تفسيره ما يؤكد ذلك، ومنه قوله في كلمة (سجيل) (59): هو بالفارسية: سنك وجل، سنك هو الحجر، وجل هو الطين، وقال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: (62) (نشأ) (62) وقال في قوله تعالى: (فصرهن) (64): هي نبطية فَشَقّقْهُنّ. وقال في قول الله (طه) (65): يالنبطية يا رجل (66).

وكان ابن عباس إلى جانب اهتمامه بالشعر محتجاً به لمعاني المفردات والتراكيب، يستعين به على فهم مفردات القرآن، بما يسمعه من أفواه الفصحاء، وقد رُوي من هذا كثير عنه، منه قوله: لم أدْرِ ما البعل في القرآن حتى رأيت أعرابياً، فقلت له: لمن هذه الناقة؟ فقال: أنا بعلها. أي ربهّا (67).

هذا كلّه أهَّل ابن عباس لأن يؤثّر تأثيراً بارزاً في تفسير معاني ألفاظ القرآن وتوضيح دلالاتها، وأن يكون أول من أرسى دعائم المنهج اللغوي في التفسير.

ومن يقف على جهود ابن عباس اللغوية، ويدرسها دراسة متأنية يدرك مالها من منزلة علمية؛ فهي من ناحية تشكّل مصدراً أساسياً لكتب معاني القرآن التي الِّفَت بعده، وما كُتُبُ معاني القرآن التي ألِّفَتْ في القرن الثاني للهجرة إلاّ تطوير لمجالس ابن عباس وحلقاته (68)، وتشكّل من ناحية أخرى نواة للمعاجم العربية؛ وهذا ما دفع الدكتور رمضان عبد التواب إلى القول: "وبذلك يمكننا أن نعدَّ تفسير ابن عباس على هذا النحو نواة للمعاجم العربية، فقد بدأت الدراسة في هذا الميدان من ميادين اللغة بالبحث عن معاني الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم" (69).

ب- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت 182ه‍):

ومن التفاسير التي اتخذت من المنهج اللغوي مسلكاً تفسير عبد الرحمن بن زيد (ت 182ه‍)، الذي فُقِدَ أصله، وقد أورده الطبري في تفسيره، فكوّن مصدراً من مصادره في التفسير (07).

والمنهج اللغوي في التفسير عند ابن زيد أخذ منحى أكثر سَعَة من تفسير ابن عباس، وهذا ناتج عن تطور الحركة العلمية بوجه عام، وتطور البحث اللغوي عند العرب بوجه خاص في عمر ابن زيد، فقد عاصر ظهور المعجم العربي المنظّم، ونضج الدرس اللغوي والنحوي على يد الخليل بن أحمد (ت 170ه‍)، ومن في طبقته، واكتمال أصوله وفروعه في كتاب سيبويه (ت 180ه‍) وهذا ما سوّغ للمنهج اللغوي في تفسير ابن زيد أن يكون أكثر تطوراً واتساعاً منه في تفسير ابن عباس، لأن تفسير ابن عباس يمثل مرحلة أولية من مراحل التفسير اللغوي، أما تفسير ابن زيد، أما تفسير ابن زيد، فيمثِّل مرحلة متطورة لاحقة.

ولذلك أصبحنا، نرى في تفسير ابن زيد- إلى جانب تفسير المفردات وتوضيح دلالاتها- معالجات لغوية- تزيد من توضيح دلالات المفردات، ويحتجُّ ابن زيد لذلك كلِّه بالشواهد من كلام العرب وأشعارها- كبيان جنس الكلمة، وعددها، وأسباب تسميتها عند العرب، أو ما يُسمى بالتأصيل الاشتقاقي، واستخدامها في سياق كلام العرب، والاشارة إلى تعدد صيغ البناء الواحد، وتوضيح ذلك بالنظائر من كلام العرب، والاشارة إلى اختلاف معنى الكلمة باختلاف بنائها، وتوضيح ذلك بمثيلاتها من كلام العرب، وإشارته إلى الأسماء التي لا تُسمَّى بما يُطلق عليها إلاّ إذا توافرت فيها صفات معينة، وتفسير المفردات، وتحديد الفروق بين قريباتها في المعنى، والاشارة إلى أنَّ الله خاطب الناس باللغة المعروفة المشهورة المتداولة لديهم، وتأكيد وجود هذه المعاني في كلام العرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير