تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمختلف جداً. بل إنه ترجح مرفوض، لأن جهود السابقين استقرت في معجمات وكتب لغوية ونحوية تُكسب السيوطي وغيره القدرة على التمحيص والنقد واعتماد موقف ينسجم وما آلت إليه اللغة العربية. وليس لدي ما يعينني على القول إن السيوطي أفاد من النصوص والمعارف اللغوية التي توافرت له في بناء موقف نظري من الأغلاط اللغوية يلائم حال اللغة العربية في عصره، ويساعد على نموها.

2 - موقف السيوطي التطبيقي من الأغلاط اللغوية:

اعتقدت أول وهلة أن السيوطي ترجح في موقفه التطبيقي كما ترجح في موقفه النظري. بيد أنني انتهيت من فحص الأغلاط اللغوية التي ذكرها إلى شيء آخر مختلف. وهذا بيان بموقفه التطبيقي من الاحتجاج بالقرآن والحديث وكلام العرب، يقود إلى النتيجة التي انتهيت إليها.

أ-الموقف التطبيقي من الاحتجاج بالقرآن الكريم:

احتج السيوطي في كتاب الاقتراح بتسع عشرة آية من القرآن الكريم، وردت إحدى عشرة آية منها في الصفحات الأربع التي تحدث فيها عن الاحتجاج بالقرآن، ووردت ثماني آيات في أمكنة متفرقة من الكتاب. وهذا يعني أن السيوطي لم يكثر من الاحتجاج بالقرآن، بل كان مقلاً فيه. وإذا أنعمنا النظر في الآيات التي احتج بها لاحظنا أنه لم يكن يوضح أحياناً موضع الشاهد وطبيعة الآية المحتج بها. فقد احتج بقوله تعالى:) استحوذ عليهم الشيطان ((33) مرتين (34)، مكتفياً بالإشارة إلى أن فعل (استحوذ) مسموع يُحتج به ولا يُقاس عليه.

وكأن السيوطي يعتمد على معرفة القارئ بأن واو (استحوذ) وردت في الآية على الأصل من غير إعلال كما هي حال أخواتها (استقام واستباع). كذلك الأمر بالنسبة إلى الآية (ويأبى الله إلى أن يُتم نوره) (35). فقد ذكرها مثالاً على المسموع الذي يُحتج به ولا يقاس عليه، معتمداً على أن القارئ يعلم أنه لم يجئ عن العرب فِعْلٌ على فَعَلَ يَفْعَل، مفتوح العين في الماضي والمضارع، إلا ثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق (الهمزة –الهاء –العين –الغين –الحاء –الخاء) غير أبي يأبى.

بيد أن الاتجاه العام لدى السيوطي هو تقديم إشارة موجزة إلى موضع الشاهد في الآية. فقد ذكر قوله تعالى (فبذلك فلتفرحوا) (36) دليلاً على جواز إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب (37). كما ذكر قوله تعالى (ولنحمل خطاياكم) (38) دليلاً على إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بالنون. وحرص في أثناء هذه الإشارة الموجزة إلى موضع الشاهد على أن ينص على أن القراءة شاذة في الآية الأولى ومتواترة في الثانية.

وقد لاحظت أن الآيات التي احتج بها السيوطي هي الآيات التي احتج سابقوه بها على الأمور نفسها. وذلك يعني عندي أنه لم ينقل آراء سابقيه فحسب، بل تطبيقاتهم أيضاً. ولعل الآيات التي أغفل السيوطي موضع الاحتجاج فيها وردت لدى سابقيه غفلاً من توضيح موضع الشاهد، والآيات التي وضح موضع الشاهد فيها وردت لدى سابقيه مقترنة بالتوضيح نفسه. ففي كتاب الاقتراح دليل على أن ابن جني هو الذي أستشهد بالآية الكريمة) استحوذ عليهم الشيطان (على المسموع الذي يُحتج به ولا يقاس عليه (39). وقد توفي ابن جني عام 932ه‍كما هو معروف. كما أن ابن مالك (المتوفى عام 672ه‍) لم يكن أول من احتج بالآية (وتساءلون به والأرحامِ) (40) على جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، بل سبقه إلى ذلك الفخر الرازي (41) ولم يكن ابن مالك نفسه أول من احتج بالآية (قتل أولادهم شركائهم (42) على جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، بل سبقه إلى ذلك ابن الأنباري (المتوفى عام 577ه‍) في كتابه المعروف (الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين) (43). وهذا يعني أن السيوطي لم يكن محقاً حين نص على أن المتأخرين، ومنهم ابن المالك، ردوا على مَنْ عاب قراءة عاصم وحمزة وابن مالك. كما أنه لم يكتف بنقل آراء سابقيه، بل نقل الآيات التي احتجوا بها، وتبعهم في إغفالهم توضيح موضع الشاهد حيناً وذكره أحياناً. وهذا ما يجعل موقفه التطبيقي من الاحتجاج بالقرآن الكريم سبيلاً إلى الشك في موقفه النظري نفسه، والمراد هنا أنه لم يذكر في أثناء إيراده رأيه النظري أنه نقل من سابقيه حرفاً، ولكن موقفه التطبيقي دل على أنه نقل الآيات التي احتج بها سابقوه، فهل يعني ذلك أنه نقل الآراء وشواهدها معاً؟ أكاد أعتقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير