تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1.6. إذاً: بذلك تصبح التوراة مكونة من ثلاثة أجزاء مختلفة، أحدها الجزء الذي أكمله المخلص، لأن قوله "لا تقتل، لا تَزنِ ... لا تشهد شهادة الزور" [30]، متضمن في قوله "لا تغضب ... لا تَشْتَهِ ... لا تَحْلِف"! [31]

2. وثانيها هو ذلك الجزء الذي نُسِخَ بأكمله، لأن "العين بالعين والسن بالسن" تتضمن الظلم وفعل الظلم ... لذلك نسخه المخلص وأحلَّ محله نقيضه!

3. لأن "النقيض" ينسخ نفسه بالتساوي: "أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرير بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر"! [32]

4. وآخرها هو الجزء الذي حُوِّلَ من العالم الجسماني الظاهري، إلى العالم الروحاني الباطني، صورةً رمزيةً للأشياء الغيبة الخاصة.

5. لأن الصور والرموز تدل على أشياء أخرى، فكانت لها وظيفتها الجيدة في غياب الحقيقة! وبما أن الحقيقة حاضرة الآن، فإنه ينبغي اتباع نور الحقيقة، لا الصور والرموز! [33]

6. لقد أبان رسلُ المسيح، وكذلك بولص الرسول، هذه الحقائق، وذلك بتفسيره [بولص] معاني الفصح والخبز الفطير تفسيراً مجازياً. من ثمة وصفه جزءَ الشريعة الذي امتزج بالظلم بقوله: "وأبطلَ [المسيحُ] ناموسَ الوصايا ... " [34]، وكذلك وصفه جزءَ الشريعة التي لم تمتزح بالظلم بقوله: "فالناموس إذن مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة"! [35]

1.7. ويمكن القول باختصار إني أبنتُ لك بما فيه الكفاية بأن الشريعة [التوراة] التي أضافها الناس أو التي أنزلها الله، مكونة من ثلاثة أجزاء مختلفة!

2. والسؤال المطروح الآن هو: من هو ذلك الإله، الذي أنزل تلك الشريعة؟! وأعتقد بأني أجبت على هذا السؤال في ما تقدم من برهنة، هذا إذا كنتِ أصغيتِ لما تقدم بالتمعن المطلوب!

3. لأنه، إذا لم تكن التوراة من عند الإله الحق، ولم تكن من عند الشيطان [كما يعتقد بعضهم]ـ وهو رأي فاسد ـ فإن النتيجة الحتمية هي أن التوراة من عند شخص ثالث يكون غير الاثنين [= الإله الحق والشيطان]!

4. إنه [= الشخص الثالث] هو خالق هذا العالم وكل ما فيه. هو إله مختلف على الاثنين المذكورين أعلاه [= الإله الحق والشيطان]! إنه إله يكون بين الاثنين، ويقيم في الوسط، لذلك أطلق عليه اسم "الوسط"!

5. فإذا كان الإله الحق إلهاً رحيماً عادلاً بطبعه ـ وهو إله رحيم عادل بطبعه ـ لأن المخلص كان يسمي الإلهَ الحقَّ الرحيمَ "أباه"، وهو الإله الذي أراه بنفسه ... ؛ وإذا كان الإله ذو الطبيعة المتناقضة إلهاً شريراً وظالماً، فإن الإلهَ الموجودَ في الوسط، والذي ليس عادلاً ولا ظالماً، الإلهُ الذي يمكن إطلاق اسم "العدل" عليه، الإلهُ الذي يجازي الإحسان بقدره!

6. إن هذا الإله [الذي في الوسط] أَقَلُّ مرتبةً من الإله الحق الكامل، وعدلَه أقلُّ من عدل الإله الحق، لأنه حادث وليس بقديم! إن الإله الحق ـ الآب ـ قديمٌ، وكلُّ شيء يحتاج إليه، لأن كل شيء صدر عنه. وإنه [الإلهُ الحق]، كذلك، أكبر من العدو [الشيطان]، وأَقْوَمُ منه! إن للإله الحق ذاتٍ أخرى غير ذات الاثنَيْن الآخَرَيْن [الإله الذي في الوسط والشيطان]، وطبيعةً أخرى غير طبيعتهما!

7. إن ذات العدو ذات شريرة ومظلمة، لأنه مادي تعتريه التجزئة والقسمة! أما ذات الإله القديم، أبي الكون، فهي بقاءٌ سرمديٌّ، ونورٌ بسيط ومتحد، قائم بذاته. لقد صدر عن طبيعته قوّتان اِثنتان. أما صورته هو، فتبقى خيرا من سائر الصور!

عبدالرحمن السليمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي

[1] وردت هذه الرسالة في كتاب "باناريون" للأسقف إبيفانوس صاحب سالاميس (؟ - 315 ميلادي)، وهو كتاب يحتوي على نصائح طبية لمن تلسعه الحية!

[2] الكلمة من اليونانية: ?????? = gnosis ومن معانيها: "البحث؛ البصيرة؛ المعرفة؛ تحسس عالم الغيب (في اللاهوت المسيحي) ".

[3] يقابل مذهب العرفان مذهب اللاأدرية ( agnosticism) وهو مذهب يعتقد أصحابه أن وجود الله وطبيعته وإدراك خلق العالم أمور لا سبيل إلى معرفتها بالعقل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير