تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه

العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت

استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين

نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة

جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي. عنصر هام ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر

البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي

يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نساهم في إعادة كتابة

النص مجدداً. ومع أن الحدث يحتاج إلى الدلالات والإشارات التي تؤدي إلى توضيحه أو تمييزه،

بين العناصر الأخرى المكونة للقصة القصيرة .. إلا أننا لابد أن نسلم بأنه لا يعتمد على السرد

ليأخذ شكله النهائي، والتمادي في السرد هو من المآخذ التي يدينها النقاد في العمل القصصي،

لكن توظيفه بشكل ذكي ومتوازن مطلوب لتحديد معالم النص الإبداعي. فالسرد عنصر مهم إذا

استخدم وفق مقاييس فنية دقيقة، كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك، ليس بالنسبة للحدث فحسب،

بل بالنسبة للقصة ككل. فراغ في البناء وتجاهل الحدث أو تهميش دوره في القصة القصيرة،

يؤدي إلى وجود فراغ في بناء القصة، هذا الفراغ لا يمكن أن يسد بمادة أخرى بحجة التجريب،

وبحجة أن القصة من أكثر الفنون الأدبية قابلية للتطوير، وهنا لابد أن نفرق بين التطوير

الواعي، والتجريب العشوائي، الذي يغري الكثيرين بولوج باب القصة، فإذا هم بعد فترة، وقد

تلاشت أسماؤهم بعد أن تلاشت كتاباتهم نتيجة الفشل. اختلاف في الطريقة وما من حدث إلا وله

بداية ووسط ونهاية لكن هذا الحدث كما هو الحال في بقية عناصر القصة القصيرة، يختلف في

طريقة طرحه من مبدع لآخر، بحيث لا يمكن وضع قواعد صارمة ينحصر في دائرتها من حيث

طريقة الطرح، وتسيير دفته في الاتجاه المطلوب، وهذا الاختلاف في طريقة الطرح تفرضه

عوامل عديدة من داخل النص ذاته، ووفق توجهه وأجوائه العامة، حتى لا يبدو طرحاً قسرياً أو

متناقضاً مع ما حوله. ومن أوجه ذلك إخضاع الحدث لجملة من المفاهيم الفضفاضة التي لا

يستوعبها، ومنها مفاهيم علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة الواقعية، والنظريات العلمية،

مما هو فوق احتمال الحدث، ومما هو فوق طاقة القصة القصيرة بصورة عامة. (وذلك لأن

القصة ليست بالدراسة العلمية التي تعتمد في مناهجها على العقل المنطقي، بل هي فن يعرف

بواسطة العلامات والرموز والأشكال. أعني الألفاظ والجمل والأسلوب والمعاني .. الخ. عن واقع

لا يضارع واقعها الكلي، ولا علاقة للأول بالثاني، لأن واقع القصة متفرد، موحد، مستقل

بذاته، وكذلك هو الشأن بالنسبة للوقائع الأخرى، كالأحلام والرؤيا والخيال والذكرى، والحياة

اليومية والأعمال الفنية والأدبية) (6). ثالثا-البيئة لقد اتضح من حديثنا السابق عن الحدث أن

هذا الحدث له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة

مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن

حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة المحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن

تمدد الزمان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق (المنولوج الداخلي) دون أن تتمرد القصة

القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من الترهل غير المستساغ، بل

والمرفوض حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة. وعاء وبيئة والبيئة هي التي تحتضن

الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن

يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ

زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها

لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه. نقطة ارتكاز فالبيئة بهذا

المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كل العناصر لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى

(لحظة التنوير) عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير