[خاص بمسابقة الإبداع]
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[01 - 11 - 2008, 03:15 م]ـ
الشيخ الوقور
كان شيخاً , لكنه في فتوّة الشباب و سماحة الأطفال و هيبة الكهول , كان على درجة رفيعة من مكارم الأخلاق , حكيماً إذا تكلّم حليماً إذا غضب سمحاً إذا تعامل , لم يؤذ أحداً قط و لم يُسئ لأحد أبداً , إضافةً إلى ذلك فقد كان يوصي أبناءه بالتحلي بمكارم الأخلاق فلم يدع خُلُقاً كريماً إلا أوصاهم به , كان يوصيهم باللطف مع الناس و السماحة مع الأعداء و التقى و الورع و مكارم الفضائل.
كلّ هذه السمات و المميزات جعلت ذلك الشيخ محطًّ أنظار الناس من حوله , فقد كان مضرب المثل في سائر أمورهم و شؤون حياتهم , لدرجة أنّهم كانوا يوصون أبناءهم و أقرانهم بالتحلي بخُلقه.
ومع مرور الأيام و توالي الأعوام ظهرت طائفةٌ من الذين في قلوبهم مرض , و في عقولهم خلل , و في أنفسهم كبر و غرور , و قد امتلأت قلوبهم غيظاً و حقداً على ذلك الشيخ , لا لشيءٍ سوى شعورهم بالنقص أمامه , و عدم تمكنّهم من التحلي بأخلاقه.
تعرّض أولئك المرضى لذلك الشيخ بالأذى و المضايقة , فقد كانوا يتربصون به إذا خرج و يتعرّضون له بالهمز و اللمز , و السبّ و الشتم , حتّى إذا لم تطله ألسنتهم و لم تؤثر فيه أفواههم , بادرت لإساءته أيديهم , لطالما اعترضوا طريقه و ألقوا أمامه الحجارة , و كم مرة خرج و إذا بالقمامة أمام بيته , و كم و كم نال منهم سوءاً و أذى , لكنّه كان يٌقابل كل ذلك بابتسامة المشفق عليهم , و كان أشد ما يؤذيه و يُذهب نفسه أسىً و تحسراً ما وصلت إليه حالتهم , و مع ذلك الإيذاء فقد كان يُقابلهم بأحسن الأخلاق و بمدّ لهم يد المساعدة بل يتفقد أحوالهم علّهم يحتاجون إلى شيء فيقضيه لهم.
لم يكتف أولئك المساكين بما فعلوه مع ذلك الشيخ , و لم ترضهم نتيجة تصرفاتهم , ففكروا و دبرّوا و تحالفوا و تآمروا , فتوصلوا إلى فكرة شيطانية خبيثة – كيف لا و إبليس زعيمهم – أدركوا أنهم لن يصلوا إلى ذلك الشيخ إلا عن طريقه هو , و أنهم لن يتمكنوا من إسقاطه إلا من خلال بيته , فحاكوا المؤامرات بينهم و تحزّبوا كما تحزّبُ الشياطين , فالتفوا حول واحدٍ من أبنائِه و تقرّبوا له مبدين الأسى و الندم على ما بدر منهم تجاه والده , فكانوا كإخوة يوسف يوم رجعوا لأبيهم , لكنه لم يردّ عليهم ردّ يعقوب لأبنائه (بل سولت لكم أنفسكم أمراً) و أكل الطُعم واثقاً بهم , فلمّا أدركوا أن الابن صار في صفّهم تبسّموا له ابتسامة الليث , و أطعموه عسلاً مسموماً , فقد أثروا عليه بمعسول كلامهم حتّى زرعوا شجرة الحقد في صدره و سقوها بماء الخبث حتّى تثبّت أصلها في باطن الأرض و طال فرعها في عنق السماء , فصار واحداً منهم.
بعد ذلك التفوا حول ابنٍ آخر من أبناء ذلك الشيخ و فعلوا به كما فعلوا بأخيه من قبل , و كذلك فعلوا مع الثالث و الرابع حتّى استطاعوا أن يضمّوا عدداً من أبناء ذلك الشيخ إلى حزبهم الشيطاني , فلمّا تيقنوا أنهم تمكّنوا من أبنائه و أنّهم تمكنوا من غرس الحقد في نفوسهم عادوا إلى ما كانوا عليه في سالف عهدهم , و لكنهم هذه المرة أكثر عدداً و عدّه.
فحرّضوا عليه أبناءه , و أغروهم بالهدايا و الهبات , و وعدوهم بالعطايا الجزيلات , حتّى أعمى المال أبصارهم و أفئدتهم , فما كان منهم إلا أن هجموا هجمةً واحدة على أبيهم فهذا يضربه و ذلك يركله و الآخر يشتمه , و حزب الشيطان يتابع كل ذلك و يديره من خلف الكواليس , و يزودهم بالزاد و العتاد.
و مع كل ذلك الإيذاء الذي تعرّض له الشيخ إلا أنه كان يُقابلهم بابتسامته المعهودة , و يُجازيهم بالسوء إحساناً و يمدّ لهم يد المصافحة , كان يدعوهم هم و أقرانهم إلى مظلة السلام و عيشة الحب و الوئام , كان مشفقاً عليهم يريدهم ألا يكونوا كالوحوش يفترس القويُ الضعيف , يريدهم معه في بيت واحد و أقصى أمانيه أن يعيشوا جميعاً تحت مظلة السلام.
فوا عجباً لذلك الشيخ الجليل ... و عجباً لذلك القلب الكبير ... و عجباً لذلك الخلق النبيل ... !!!
و بعد هذا كلّه , أتعجبون من ذلك الشيخ؟ هل تساءلتم أي نوع من الناس هو؟ و أي أخلاق اخلاقه؟
لا عجب , فكلكم يعرفه تمام المعرفة ,إنّه والدي و والدكَ و والدكِ .... إنّه والدنا جميعاً ....
إنّه الإسلام ...
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
نعم إنّه الإسلام ... الذي كان و ما زال و سيبقى مشرِّعاً أبوابه لأي شخص كان , سيبقى بابه مفتوح للقريب و البعيد , للعدو و الصديق , حتّى و إن هاجمه الأعداء و تعرّضوا له بأنواع الأذى و ألوان العذاب , حتّى و إن خانه الأبناء , فأهدروا الدماء و دمّروا البناء , سيظل صدره رحباً لأبنائه و أعدائه , فمرحباً بمن أراد العودة و مرحباً بمن أراد التوبة ... فلن تجدوا أرحب من الإسلام صدراً , و لا أكرم منه ديناً , و لا أشفق منه أباً ... إنه الإسلام دين المحبة و السلام.
¥