[رؤية في صناعة المعرفة (مقال)]
ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[03 - 11 - 2008, 10:01 م]ـ
رؤيةٌ في صناعة المعرفة
(مقال)
أمام إحدى القنوات الفضائية العربيَّة (التي صار عددها أكثر من عدد النمل)، جلستُ مرَّة مع العائلة أتابعُ برنامج مسابقات مشهور، لأربح المليون نظرياً، وإذا بالسؤال الأتي: من قائل هذا البيت:
ولما رأيتُ الجهلَ في الناس فاشياً = تجاهلتُ، حتّى ظُنَّ أني جاهلُ
ولكوني ممن يشار إليه بالبنان، ومثقف الأسرة (عافاكم الله)، قلت: البيت لأبي العلاء، وكنت قد صدّرتُ به واحدة من مدوناتي، لكن ما أحرجني، أن مُقدّمَ البرامج المشهور أَعطى إجابةً مغايرة، وقال: البيت للمتنبي، لأعودَ بعدها إلى مكتبتي المنزليَّة، وأتأكد بأنني على صواب.
تخيَّلوا أنَّ مثل ذلك الخطأ ارتكبه مقدم برامج فرنسيّ- مثلاً- ونسب ما هو لـ (موليير) إلى (بودلير)، عندها ستَثقُبُ أقلام النقاد عقلَ ذلك المقدم، وستسيل فوق رأسه الكلمات التي تشيب شعر رأسه ..
وكثيراً ما يَطلب منّي أحدُهم معلومةً ما، فأسارع إلى محرّك البحث (غوغل) لأحتار بعدها أيَّ إجابة أختار من مئات الخيارات أمامي على شاشة الحاسوب، لينطبقَ عليَّ قول العامة: (فات بالحيط) ..
إن عدم قدرتنا على التأكد من صحة ما نتلقاه من هذه الهجمة الشرسة للمعلومات، وأمام همجيَّة التقاط المعلومة، ولأن الصناعة المعرفيَّة- عندنا- لا زالت تتخبَّط مابين ثقافة الصورة (فضائيات، إنترنيت)، وثقافة مسموعة، وأخرى مقروءة، كان لابدَّ لنا أن نتساءل:
هل يجب علينا أن نرفض هذه المعرفة، أو أننا نتخبط في بحرها؟!
وهل من منهجية تدفع عجلةَ الصناعة المعرفية، وتجعل منها مفتاح التقدم؟ ..
وبما أن صناعة المعرفة هي من الأولويات في هذا العصر، وأصبحت- على اختلاف أنواعها- دعامةً أساسيَّة في تطوير وازدهار المجتمعات، وبما أنها واقع لا نستطيع إنكاره، أو الفرار منه، فلماذا لا نلملم شمل هذه الصناعة، ونجعل لها من الأهمية ما للصناعات الأخرى، ولماذا لا نفعّل دور المؤسسة الثقافية، وننهض بها لتنهض- هي أيضاً- بنا؟.
ما أريد قوله:
لا تقدم معرفي .. ولا صناعة معرفيَّة إلا بمنهجية مدروسة تجمع القُوى المعرفيَّة (مرئية، مسموعة، مقروءة) في عصرنا- عصر المعلومات-، وتخطُّ للراغب طريقاً سليماً يقتاده إلى شاطئ الأمان بدل هذا التخبط، كما يجب أن تكون المؤسسات الثقافية (العامة والخاصة) فاعلة منظمة، لأن قوة هذه المؤسسات هي قوة للثقافة، والعكس صحيح، وما قصدته بـ (الفاعلة) أن تقوم هي بالإشراف على عملية دفع العجلة المعرفيَّة، كأن تخصّصَ برنامجاً مرئياً، أو كتاباً شهرياً، يجمع الأعمال الثقافية التي صدرت محلياً وعربياً وحتى عالمياً.
ولنأخذ مثالاً مكتبة (الكونغرس الأمريكي): لم تصبح الأولى على العالم بأسره إلا عندما اعتمدت منهجاً عالياً في التصنيف، يتألف من (21) أصلاً من المعرفة، ابتداءً من المعارف العامة ( a)، وانتهاء بـ"الببليوجرافيا" وعلم المكتبات ( z).
والسؤال الأكبر هنا: هل ينقصنا المبدعون لهذه المنهجية، حتى نكون في مصافّ الدول المتقدمة؟!
أوَ ليس بيننا من يستطيع وضع أسسٍ لصناعة المعرفة في مؤسساتنا الثقافية، ويرعاها ويدعمها مادياً ومعنوياً وإعلامياً؟!، وإن كانت الإجابة: لا .. لا ينقصنا، فلمَ لا نرفع شعار: (القراءة ... أولا)؟.
رائد عبد اللطيف
6/ 3/2007
ملاحظة:
المقال نشر في جريدة بلدنا السورية
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[03 - 11 - 2008, 10:34 م]ـ
السلام عليكم أستاذ رائد ...
الحق أن المسألة أبعد من ذلك بكثير وأخطر
هذا البيت "وقد ذكرته أنت مثالا " أشهر من علم وبالرغم من ذلك أخطأ المقدم والمتسابق والمعدون
وهذه هي الطامة الكبرى ..
جهلنا وبعدنا عن تراثنا هو السبب الرئيس في هذه الأخطاء
ولا أخفيك أنني وقعت بمثل ما وقعت فيه
ذات يوم سمعت سائل يقول من مؤلف " روبنسن كروزو"
فأجبت على الفور متباهيا "دانييل ديفو " ولكن السيد المقدم فاجاني بأنها لشارلز ديكنز
على العموم هذا السؤال يخص الثقافة الغربية
أما الخطأ في تراثنا الذي هو رأس مالنا في زمن" الرأسمال" فبرأيي أنه غير مبرر ..
ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[03 - 11 - 2008, 11:11 م]ـ
السلام عليكم أستاذ رائد ...
الحق أن المسألة أبعد من ذلك بكثير وأخطر
هذا البيت "وقد ذكرته أنت مثالا " أشهر من علم وبالرغم من ذلك أخطأ المقدم والمتسابق والمعدون
وهذه هي الطامة الكبرى ..
جهلنا وبعدنا عن تراثنا هو السبب الرئيس في هذه الأخطاء
ولا أخفيك أنني وقعت بمثل ما وقعت فيه
ذات يوم سمعت سائل يقول من مؤلف " روبنسن كروزو"
فأجبت على الفور متباهيا "دانييل ديفو " ولكن السيد المقدم فاجاني بأنها لشارلز ديكنز
على العموم هذا السؤال يخص الثقافة الغربية
أما الخطأ في تراثنا الذي هو رأس مالنا في زمن" الرأسمال" فبرأيي أنه غير مبرر ..
هذه مشكلة لكن المشكلة الأكبر في تخبطنا وعدم مقدرتنا على استيعاب هذه الهجمة الشرسة من المعلومات بكافة أنواعها ..
ولا أخفيك كثيرا منا في عصرنا لا يعرف من أين يبدأ وماذا يتابع، وهذا التخبط هو افتقاد الثقافة العربية المعاصرة للمنهجية ..
هي دعوة لمنهجة الثقافة العربية المعاصرة، متابعتها، ترتيبها، تقديمها - نهاية- بقالبها العصري، الذي يخط للقارئ العربي منهجية تبعده عن الدرك الأسفل في التصنيف العالمي بالقراءة.
أتمنى أن تلاقي هذه الصرخة أذنا مسؤولة واعية، تتبناها، وترعى هذا المشروع الضخم.
ولا أخفيك:
إن مثل هذا المشروع بُدء بتنفيذه، في دمشق وقام الأستاذ هاني مقداد مشكورا بتبني مثل هذا المشروع تحت رعاية وزارة الثقافة السورية ..
مشروع (اقرأ .. وارتق)
مشروع رائد، يقوم بجمع كافة الإصدارات من الكتب، في دليل واحد شهري، مع العديد من النشاطات مثل الندوات الشهرية، يستضيف فيها كبار المثقفين من الوطن العربي والعالم ..
أتمنى أمنية صادقة استمرارية مثل هذه المشاريع البناءة ..
¥