تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابتسم " راغب " مجاملا، و لكن سرعان ما عاد ثوبُ الحزن يكسو وجهه، و يحتل كل قسماته التي تشي بانهاك و كد و تعب ...

" لم تجد وظيفة بعد؟؟؟ "

قالها علي في حنان هامس محاولا إخراجه من حزنه ..

هز راغب رأسه بمرارة، و لم يجب ..

" سبحان الله، و أين سيجدون مثلك يا راغب، عهدي بك أنك متفوق، ألم تحرز المركز الأول في الجامعة .. "

ضحك " راغب " في مرارة و قال:

" نعم، ولكن هذا لم يعجب رئيس الجامعة .. حيث كان ابنه معي في الدفعة، فوقف لي بالمرصاد، ووضع في كل خطوة أخطوها حجر عثرة، حتى يأست من الوظيفة الجامعية و تركت الاقبال عليها .. "

أطلق تنهيدة حارّه كأنه يودعها سخطه و مرراته ثم قال: " لا عليك .. اذهب و ائتني بالشاي .. "

قال علي في مرح: " ولكن ابتسم يا أخي ... تبتسم الدنيا لك .. هيا أرني ابتسامتك .. "

ابتسم " راغب " مجاملا: " شكرا يا علي .. "

ثم أردف في حزن: " لن أنس جميلك معي أبدا .. ف .. "

قاطعه علي بأعلي صوته: " و عندك احلي كوب شاي لأحلي زبون .. "

ثم غمز بعينه و قهقه بمرح و انطلق ليحضر مشروب صديق عمره، و ليخدم باقى زبائنه ..

تابعه " راغب " ببصره، ثم لم يلبث أن عاودته ذكرياته ..

تمثلت أمامه أطياف لماض بعيد .. مرت كلقطات سينمائية، حملت له ذكريات مختلفة .. و مشاعر متباينة ..

تذكر زملائه في الدراسة ..

تذكر " حامد " بطيبته و سذاجته، تذكر "أمير" بخبثه و دهائه، أما "حسين" فكان لا يملّ من نكاته و قفشاته،

تذكر " نادر "، و ما أدراك ما " نادر"، شعر بغصة تخنقه، فالتقط كواب الماء و جرع منه جرعات .. لم تُفلح في إزالة مرارة حلقه ...

" نادر "، كل الخبث في نادر، " نادر" المستهتر، "نادر" الداهية،

كان نادر لا يهتم بالدراسة، و لكنه كان حاد الذكاء، سريع البديهة، لمّاحا، و مع ذلك لم يستغل تلك الصفات إلا في التنغيص على عباد الله، .. و كان يجد فيَّ بغيته، فلا يفتأ يحيك المؤامرات و المقالب ضدي، ليضحَك عليها و يُضحِك زملاءَه، شلته الصغيرة التي لا يقل أفرادها عنه شيطنةً وسوءَ خلق ...

كان هذا منذ أمد بعيد، و راحتْ هذه الذكريات بحلوها ومرّها .. ، و طوي الزمن أسرارَ طفولتِه الأولى في ركن قصي من ذاكرته .. .. خدع نفسه و أقنعها بأنه نسي هذه الذكريات .... حتى ... حتى قابله بالأمس ...

كان عائداً من رحلةٍ فاشلةٍ كالعادة، بحثاً عن عملٍ يناسبُه .. فمشي الهوينا في الطرقات .... مطرقَ الرأسِ .. يجرُّ أذيال الخيبة .. و إذا به ينتبه لسيارة تلاحقة من مدة، و يطلق سائقها النفير بطريقة متواصلة مزعجة ...

توقف و اتلفت، و إذا بصوت .. يقهقه ضاحكا:

" رااغب " .. :" أيها الوغد أمازلت على قيد الحياة؟؟!! .. " ثم عاده يقهقه ..

نظر إليه راغب، و تردد .. لم يعرفه من النظرة الأولى، تفرس في ملامحه و قسماته .. من يا تري هذا ..

ترجّل سائق السيارة، و اقترب من راغب .. و قال بلهجة عابثة:

" مالك تنظر إلى هكذا كالأبله .. ألا تتذكرني؟؟ "

حسنا ... سأنعش ذاكرتك ..

" أتذكر ذلك المقلب الذي فعلته بك، و الذي على إثره فصلت من المدرسة عدة أيام و لم تعد إلا بولي أمرك .. ؟؟ "

ثم أعقب قوله، بقهقه عاليه .. التفت لها المارّون بتعجب ..

زالت معالم الدهشة من وجه راغب و حلت مكانها معالم الحزن ... فأطرق رأسه و تمتم:

" أه ... كيف حالك يا نادر .. "

ثم التفت ليمش ..

أمسكه نادر من يديه و أقسم عليه ألا يوصله إلي بيته ....

*******

" سرحت مرة أخرى يا راغب ... هداك الله .. "

التفت راغب إليه مبتسما ولم يرد

-" إليك الشاي .. "

-" يبدو عليك التعب .. لم لا تعد لبيتك لتستريح قليلا من عناء اليوم؟ "

قال راغب و هو يلقى بنظره إلى أول الشارع:

-" لا ... لقد ضربت موعدا مع صديق قديم و أنا في انتظاره .. شكرا لك يا علي .. "

ذهب علي ليجيب نداء أحد الزبائن ..

و عاودت راغبا ذكرياتُه ..

...

..

******

ركب راغب السيارة، و مُلئت نفسُه دهشةً، كيف لنادر أن يمتلك هذه السيارة المدهشة، و عهده به أنه كان فقيرا معدما ....

التفت إليه نادر و قد أسعده انبهار صديقه بوضعه الجديد ..

" الكل ظن أني بإهمالي للدراسة، سأفشل في حياتي .. "

ضرب مقود سيارته في مرح و قال:

" و ها أنا أبرهن العكس للجميع .. "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير