تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولاشك أن الله جل وعلا ملكا حقيقيا لائقا بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين ملكأ مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.

ووصف نفسه بأنه جبار متكبر قال: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس)، إلى قوله: (الجبار المتكبر). ووصف بعض المخلوقين بأنه جبار متكبر قال: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد).

ولاشك أن ما وصف به الخالق من هذه الصفات مناف لما وصف به المخلوق كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق.

ووصف نفسه جل وعلا بالعزة قال: (إن الله عزيز ح~م) (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب). ووصف بعض المخلوقين بالعزة قال: (وقالت امرأة العزيز) (وعزني في الخطاب). وجمع المثالين في قوله: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).

ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذا الوصف مناف لما وصف به المخلوق كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.

ووصف نفسه جل وعلا بالقوة قال: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين). (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز).

ووصف بعض المخلوقين بالقوة قال: (ويزدكم قوة إلى قوتكم).

وقال جل وعلا: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة). وجمع بين المثالين في قوله: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون).

ثم إننا نتكلم على الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي صفات فعل أو صفات معنى والتحقيق: أنها صفات معان قائمة بذات الله جل وعلا. كالرأفة والرحمة والحلم. فنجده جل وعلا وصف نفسه بأنه رؤوف رحيم قال: (إن ربكم لرؤوف رحيم) ووصف بعض المخلوقين بذلك قال في وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه: (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

ووصف نفسه بالحلم قال: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم) (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) ووصف بعض المخلوقين بالحلم قال: (فبشرناه بغلام حليم) (إن إبراهيم لأواه حليم).

ووصف نفسه بالمغفرة قال: (إن الله غفور رحيم) (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء). ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) (قول معروف ومغفرة) الآية. (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله).

ولاشك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفا من التشبيه بالخلق. وان ما وصف به الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقار هم.

وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطع إلى وصف أثبته الله جل وعلا لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجما على رب السموات والأرض مدعيا عليه أن هذا الوصف الذي تمدح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهوس ولا يذهب إليه إلا من طمس الله بصائرهم.

وسنضرب لكم لهذا مثلا يتبين به الكل، لأن مثلا واحدا من آيات الصفات ينسحب على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد. وهو جل وعلا لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من صفاته البتة. فهذه صفة الاستواء التي كثر فيها الخوض ونفاها كثير من الناس بفلسفة

منطقية وأدلة جدلية سنتكلم فيآخر البحث على وجوه إبطالها كلاما يخص الذين درسوا المنطق والجدل ليتبين كيف استدل أولئك بالباطل وأبطلوا به الحق وأحقوا به الباطل. فهذه صفة الاستواء تجرأ الآلاف ممن يدعون الإسلام ونفوها عن رب السموات والأرض بأدلة منطقية يركبون فبها قياسا استثنائيا مركبا من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي ينتجون في زعمهم الباطل نقيض المقدم بناء على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم. فيقولون مثلا لو كان مستويا على عرشه لكان مشابها للخلق لكنه لم يكن مشابها للخلق فينتجون، ليس مستويا على العرش، وعظم هذا الافتراء كما ترى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير